بسم الله الرحمن الرحيم
لاشك أن هناك أحكاما للصيام وهي الأحكام الخلقية والسلوكية التي تعتبر أصل كل عبادة وقد نسيها البعض أو تناسوها فأصبحت أقل شهرة من الأحكام الفقهية المعروفة, ولقد فرض الله العبادات عامة للارتقاء بالأخلاق وتهذيب السلوك، فقال سبحانه وتعالى{ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } وقال تعالى: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}،
وقال في شأن الصيام { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
ومن هذا يتبين أن الغاية العظمى من تشريع العبادات هي تحقيق كمال العبودية لله عز وجل ولا بد أن يظهر هذا في سلوك المسلم فقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم رسالته على إتمام مكارم الأخلاق فقال:”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. وإذا عدنا إلى الصيام وأثره في الارتقاء بالأخلاق وتهذيب السلوك نستطيع أن نقف على بعض هذه الآثار:
*إن هذا الشهر تصفد فيه الشياطين، ويترك المسلم لنفسه والنفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله. {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} وعليه يستطيع المسلم أن يميز بين ما يأمره به الشيطان وما تأمره به النفس، ومعرفة الداء طريق لمعرفة الدواء, فيضع من التدابير الواقية والأسباب المعينة على الارتقاء بالنفس، وتهذيبها وتزكيتها {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} ، فيحاسب المسلم نفسه ويراقبها ثم يعاتبها ويؤدبها حتى تستسلم لله وتخضع لأمره, فتصبح نفسا لوامة تستحق أن يقسم بها الله ثم ترتقى حتى تصير مطمئنة { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ. ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً . فَادْخُلِي فِي عِبَادِي . وَادْخُلِي جَنَّتِي}
*إن طعامك وشرابك ناسيا لا يقارن بما تقترفه من الكبائر الموبقة التي تذهب بأجر الصيام، وهذا ما نبهت عليه الأحاديث الشريفة، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”.وقال عليه الصلاة والسلام : “رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش”
*إذا راقب الإنسان الله في عباداته ومعاملاته، وأخذه وعطائه، وعلم أن الله لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء, انعكس ذلك على سلوكه وأخلاقه، {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}. *الصوم يقوي لدى المسلم أسباب الارتباط بالجماعة، ويرسخ في نفسه معنى الاتحاد للتعاون والتناصر؛ فالمسلمون يصومون عند رؤية الهلال، ويفطرون عن رؤيته، ويمسكون عند أذان الفجر ويفطرون عند أذان المغرب، ولسان حالهم يردد مع قول الله تعالى: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}
*الصبر نوعان : صبر على الطاعة حتى يؤديها، فإن العبد لا يؤدي الطاعة إلا بمكابدة النفس ومجاهدة الشيطان, وصبر عما نهي الله عنه،حتى لا يعتدى على حدود الله. والصبر يحول العدو اللدود إلى صديق حميم، { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }.
دائرة العلاقات العامة والإعلام
وزارة الصحة