أخي الكريم : معلوم أن الإنسان مطالب بإعمار الأرض، والسعي في مناكبها عبادةً لله، و لا يمكن له أن يستفيد مما فيها من ثروات وخيرات إلا بالعمل والعمل الجاد فقط, لذلك كانت مطالبة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتقن الإنسان عمله, فقال : ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)) و كل عمل يقوم به المسلم بنيّة العبادة، عمل مقبول عند الله, سواء كان عمل دنيا أو آخرة, لذا قال تعالى:(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) فهل سبب تخلف مجتمعاتنا وتأخرها يرجع إلى فقدانها خاصية الاتقان؟

أخي الفاضل: أعرني سمعك الواعي ولو لدقيقة كي أفضي لك فيها بالحقيقة : والحقيقة أن ثمة علاقة بين الاتقان و الإخلاص, فالاتقان يكسب الأمة الإخلاص في العمل، لارتباطه بالمراقبة الداخلية، كما أنها تجرد العمل من مظاهر النفاق والرياء، فكثير من الناس يتقن عمله ويجوّده حين يعلم أن رئيسه يراقبه، وهناك من يقصد به تحقيق غايات له, أو يسعى إلى السمعة والشهرة، لأنه يفتقد الى المراقبة الداخلية، التي تجعله يؤدي عمله بإتقان في كل الحالات دون النظر إلى الاعتبارات سالفة الذكر, كما أن الإتقان هدف من أهداف الدين يسمو بالمسلم فيرتقى به إلى مرضاة الله جل شأنه عبر بوابة الإخلاص لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، وإخلاص العمل لا يكون إلا بإتقانه, لذلك كان المسلمون الأوائل يحرصون على تعليم الشباب إتقان العمل حتى كان طالب الطب مطالباً بتحسين خطه وإتقانه قبل أن يتعلم مهنة الطب، ليكون الإتقان سمة خلقية سلوكية، وقيمة إنسانية، ترافقه طوال حياته.

ولاشك أن هناك علاقة متداخلة بين الإتقان والإحسان غير أن الإتقان عمل يتعلق بالمهارات التي يكتسبها الإنسان بينما الإحسان قوة داخلية تتربى في كيان المسلم، وتتعلق في ضميره وتترجم إلى مهارة يدوية، فالإحسان أشمل وأعم دلالة من الإتقان,) وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) من ذلك إحسان التخطيط وإحسان التنفيذ وإحسان التقدير (إن الله كتب الإحسان على كل شئ) والمسلم لا يتربى على الإحسان إلاّ إذا قصد الإحسان في تفاعله مع المجتمع، ليس بقصد اللياقة الاجتماعية المظهرية؛ بل بقصد مراعاة حق الإنسان وحق الأخوة الإسلامية في إحسان التعامل على قاعدة من الأمانة والصدق والإخلاص والتقوى والمسؤولية الاجتماعية المتجذرة في وجدانه وكيانه.

أخي المحترم :الإتقان ظاهرة حضارية تؤدي إلى رقي الجنس البشري، وعليه تقوم الحضارات، ويعمر الكون، إذ من المعلوم أن المنهج العلمي الذي أصله المسلمون وعممه علماء الحديث، وقبل ذلك وضع أساسه القرآن الكريم
هذا المنهج هو الذي أوجد مجتمع العلم والإيمان, وإذا كان هناك من يظنون أن بإمكانهم تحقيق الاصلاح والتغيير في المجتمع بعيدًا عن ذلك المنهج فهؤلاء واهمون, لأن ذاك النوع من التغيير سيكون تغييراً شكلياً مظهرياً أجوف لا قيمة له في الحياة ولا أثر له في عملية الاصلاح والتقدم وسنظل نراوح مكاننا, نحرث في البحر ونضرب في حديد بارد.

الإرشاد والتوجيه

دائرة العلاقات العامة والإعلام

وزارة الصحة الفلسطينية