أعزائي في الهيئة الطبية: من المعلوم عند الجميع شرفُ مهنة الطبِّ ونُبلُها، وأنّ الطبيبَ مؤتمنٌ على النفوس البشرية، كما هو مؤتمنٌ على أسرارِ المريض وعرضه؛ فإذا عرف الطبيبُ المسلمُ قدرَ مهنته، وعظيمَ شرفِها، تصرَّفَ بما يليقُ بهذا العلم ومكانته، واتصف بكلِّ خُلُقٍ حميد، يتفقُ مع الشرفِ الرفيعِ لهذه المهنة، ونأى بنفسه عن كلِّ خُلُقٍ سيِّءٍ، وإذا كان دينُ الإسلام يدعو المسلمَ إلى الأخلاقِ الكريمةِ، وإتقانِ العملِ فلا شك أنّ الطبيبَ المسلمَ مطالبٌ بهذا قبل غيره.

الإخلاص لله في العمل؛ فإنّ المسلمَ من مميزاته إخلاصه لله في أعماله إذ الإخلاص يدلُّه على كلِّ خير، ويعينه على كل خير؛ فيستشعرُ عبوديتَه لله، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)، ويقول : \”إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمريء ما نوى\”، ويستحضرُ مراقبةَ اللهِ له، في كلِّ صغيرة وكبيرة، عندما يتصِّفُ المسلمُ بالإخلاص في أعماله؛ فإن ذلك دليلٌ بتوفيق من الله على نجاحه في عمله وييسِّرُ اللهُ له أمرَه، ويجعلُ على يديه الخيرَ الكثيرَ.

ولابد للطبيب المسلم أن يكون ملتزما بأصول الطبِّ، التي دَرَسَها وعَرَفَها ووعاها، فلا ينحرفُ عنها لمصالحَ ماديةٍ، وإنما يثبتُ على موقفِه الذي هو مقتنع به والذي تلقاه ومارسه، حتى يكون صادقا في مهنته.

ولابد له أيضا من التزام الصدقِ في أحواله كلِّها؛ فالصدقُ خلقُ المسلمِ دائما (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، والنبيُّ يقول: \”عليكم بالصدق فإنّ الصدقً يهدي إلى البِرِّ وإن البِرَّ يهدي إلى الجنة، ولا يَزالُ الرجلُ يصدُقُ، ويَتَحَرَّى الصدقَ، حتى يُكتَبَ عند الله صِدِّيقا\”. وصدقُ الطبيبِ المسلمِ، ليس مجرَّدَ كلامٍ، وإنما هو صدقٌ في نيته، وصدقٌ في تَعَلُّمِه، وصدق في ممارسة لمهنته، وصدقٌ في بحوثه التي يُعِدُّها، وصدقٌ في تعامله مع المرضى؛ فإن التعاملَ مع المرضى يحتاج إلى شجاعةٍ كبيرةٍ، ويحتاج إلى نزاهةٍ عالية، فكم من طبيبٍ لا يصدقُ المريضَ في أموره، تجدُه يطلبُ منه فحوصاتٍ إضافية، قد يكونُ غيرَ محتاج إليها؛ لأجل الاكتسابِ المادِّي، أو ربمَّا عَرَضَ عليه علاج ذا تكلفةٍ لمرض أقل من ذلك وهذا ينافي الصدقَ في العمل.

وعلى الطبيب المسلمِ أن يكونَ ذا أمانةٍ؛ فالأمانةُ من أخلاق المسلمين، \”ولا دينَ لمن لا أمانةَ له\”، والله -جل وعلايُرَغِبُّنا في الأمانة فيقولُ: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)، فالمؤمنون مراعون لأماناتهم، حقَّ الرعاية، ويقول صلى الله عليه وسلم: \”أدِّ الأمانةَ إلى من اِئْتَمَنَك، ولا تَـخُن مَنْ خَانَكَ\”؛ فإذا نُهِينا عن خيانة من خاننا؛ فكيف بخيانة من اِئْتَمَنَنَا؟ فالطبيبُ المسلمُ، إن استُشيرَ في أمر، أشارَ بما يعلمُ براءةَ ذِمَّتِه به، وإن صدَّقَه الآتي إليه، عاملَه بالصدق؛ فلن تكن أقواله مخالفة لأعماله، فيكونُ مؤتـَمَنا على صحة المريض، وأسرار مرضه، فيكون مؤتمنا على تشخيص المرض، مؤتمنا على تقديم العلاج، الذي يراه مناسبا؛ فلا يُحَمِّلُ المريضَ ما لا طاقةَ له به.

ولابد للطبيب المسلم أن يكون ذا تواضع لربه، ثم لعباده، على اختلافِ طبقاتِهم؛ فلا يكون متعالِيًا عليهم، و لا ينظرُ إلى البعض بالنظرةً الدونية، وإنما ينظرُ إلى الجميع بنظرةٍ متساوية، فإن نظرَهُ للفقير المُعْوِزِ، واعتناءَه به، واهتمامَه به، دليلٌ على صدقه، وتواضعه، والنبيُّ يقول: \”لا يدخلُ الجنةَ من في قلبه مثقالُ ذرَّةٍ من كبر\” ، ويقول صلى الله عليه وسلم: \”بحسب امرئٍ من الشرِّ أن يحقرَ أخاه المسلمَ\”؛ فالطبيبُ المسلمُ ذا تواضع مع المرضى، على اختلاف أحوالهم المادية، والاجتماعية، والعلمية، بل يحملُ روحَ التواضع، التي يستطيعُ المريض من خلالها، أن يتفاهمَ معه، هذا دليلا على الصدق والتواضع الحق.

ولابدّ للطبيب المسلم من أن يكونَ مُتَخَلِّقًا بالصبر في أحواله كلِّها، فإنّ من يُباشرُ حالَ الناسِ، وخدماتِ الناس؛ لابدَّ أن يواجهَ أمورًا، قد لا يكون يشعرُ بها، أو لا يدركُها، أو لا يظن أنها تقع؛ فربما واجه من فيه عجلةٍ في أموره كلِّها غيرَ صبور، ولابد أن يواجه سريعَ الغضبِ، ولابد أن يواجهَ أيضا من لا يتحمَّلُ المرضَ، أو لا يتحمل الانتظار؛ فيعاملَ الجميعَ بالصبر، ولا يَحملُه ما يَسمعُه من بعض المتأثرين بالأَمراض، من كلماتٍ، قد يقولها لعدم صبر، أو لِضَجَرٍ، أن يقابلَه بالمثل؛ فيُقصِّرَ في علاجه، أو لا يعالجه، بل عليه أن يصبر ويَتلَقَّى ذالك بصدرٍ رَحْب، وفي الحديث: \”من يّتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ\”، فالصبر في هذه المواقف، دليلٌ على التواضع والصدق والإخلاص.

ولابد للطبيب، من أن يكونَ متخلِّقا بالرفقِ، والعطفِ، والرحمةِ على المرضى، لا يتقزَّزَ من حالة المرض ولا مما يرى عليه من بعض آثار المرض، بل يعامله برفقِ وعطف، ولين، وإذا أتاه مريضٌ ولو في آخر مواعيد العمل، لم يردَّهُ خائبا، بل صبر معه حتى يحقِّقَ له المقصودَ؛ هذا هو المطلوبُ من الطبيب المسلمِ، الذي يخافُ اللهَ ويتقِّيه.

ولابد للطبيب المسلم أن يترفعَ عن الدَنَايَا في المعاملات، والأقوال؛ فيكونَ عفيفَ في لسانه غاضا لبصره، بعيدا عن كل شبهة، وبعيدا عن كل ما يسيء إلى أخلاقه ودينه، مترفعا عن الرذائل حريصا على الأمانة، حافظا لعرضه، صائنا لبصره، كافا لفرجه، هكذا الطبيب المسلم الذي ربما يَمُرُّ به أنواع من الأمراض والأشخاص؛ فيكون ذا عفة في القول والعمل، لا يتكلم بقول فارغ، ولا يقول قولا سيئا، ولا يخدع من ينظر إليه، بل هو مترفع بشرف علمه، عن كل هذه الرذائل.

ولابد أن يكون أيضا ملتزما بالوعود التي يعطيها للمراجعين، حتى يكون صادقا في وعده؛ لأن إخلافَ الوعد ليس من أخلاق المسلمين، إخلاف الوعد من أخلاق المنافقين، والوفاء بالعهود من أخلاق المسلمين، ولابد أن يكون الطبيب المسلم كاتما لأسرار المرضى، وغير ناشرِ لأمورهم؛ فكم من مريض، لا يحب أن يطًّلِعَ على سرِّه، ولا على أحواله إلا الطبيبُ لأجل الحاجةِ؛ فكشف أسرارهم لا يليقُ بالطبيب المسلم، إلا إذا دعت حاجةٌ ماسةٌ إلى ذلك.

الأخوة أعضاء الكادر الطبي: إن كلَّ علم ينفع الأمةَ، ويعود عليهم بالمنفعة في حاضرهم ومستقبلهم؛ فالإسلامُ يدعو إليه، ويرَغِّبُ فيه، ويَحُثُّ عليه، ويدعو المسلم إلى أن يكون عضوا صالحا في مجتمعه بأي علم من العلوم النافعة، لاسيما إن اقترن بها إخلاصٌ لله، وقصد للخير وإرادة للخير؛ فالمسلم مثابٌ على كلِّ أعماله التي يقصدُ بها وجهَ الله والداَر الآخرةَ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً).