بعض الناس لا يستطيع التفكير بشكل مجرد يستثني الميول والعواطف الذاتية، خاصة فيما يتعلق بتعاملاته مع الآخرين، فعندما نحب إنسانا أو نستلطفه نقبل منه أي شيء، حتى أن البعض مستعد أن يصدق الكذبة إذا جاءت من إنسان يحبه، بينما مستعد أن يكذّب الحقيقة إذا جاءت من إنسان يكرهه .. هكذا تطغى العواطف على العقول.

تعالوا نستخلص العبر من سلوك النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة تفكيره حتى مع أعدائه…

لمّا اشتدّ بلاء قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاة زوجته خديجة رضي الله عنها، وسنده أبي طالب، نال منه سفهاء الطائف ما لم ينل منه قومه في مكة.

 وقد كان معه آنذاك زيد بن حارثة مولاه، فأقام بينهم في الطائف عشرة أيّام لا يدع أحداً من أشرافهم إلاّ جاءه وكلّمه.

فقالوا: أخرج من بلادنا، وأغرّوا به صبيانهم وسفهاءهم، فأخذوا يضربونه بالحجارة حتّى اختضبت نعلاه بالدماء.
فلما انصرف عنه السفهاء وعمد إلى الظل، أخذ صلى الله عليه وسلم يناجي ربّه ويدعوه بالدعاء قائلاً: “اللهمّ إنّي أشكو إليك ضعف قوّتي، وقلّة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى عدوّ بعيد يتجهّمني، أو إلى عدوّ ملّكته أمري، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أُبالي، غير أنّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك، أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلاّ بك”.

فإذا بجبريل عليه السلام ينادي ويقول: يا محمد إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين (وهما جبلا مكة اللذان يكتنفانها جنوبًا وشمالاً)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً.

من هنا فإن الإسلام أولى قيمة التسامح والتفكير الإيجابي مكانة هامة، من خلال التطبيق العملي الذي مارسه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وظلّت تلك القيمة سمة من سمات حضارة الإسلام إبان ازدهارها، وأثبت أن التسامح خلق إسلامي أصيل يحثّ عليه القرآن الكريم .