الإدارة العامة للشؤون القانونية

مع انتشار وباء كورونا المستجد سجلت الطواقم الطبية والإدارية ورجال الأمن والخدمات المساندة وعمال النظافة وغيرهم من العاملين في أماكن الحجر الصحي أروع قصص التفاني لحماية الناس من هذا الوباء المنتشر، وهو أمرٌ يقابل بالتقدير والاحترام من قبل الناس عموماً ومن قبل المسئولين بشكل خاص، ولهذا فإن كل من يقف في الصف الأول مواجهاً فيروس كورونا محققاً السلامة لأبناء شعبه هو محط اعتزاز وافتخار من قبل الجميع. نعم إن هذه الطواقم يوصلون الليل بالنهار، ويعملون كخلية نحل لا تكل ولا تمل، من أجل تحقيق واجبهم الوطني، وقيامهم بعمل مشرف لهم ولمجتمعهم. ففي ظل عدم توفر لقاح مؤكد أو علاج مجدي لهذا الفيروس كان لا بد من التدابير الوقائية لمواجهته وعلى رأسها الحجر الصحي الذي يقوم بسواعد الأطباء والممرضين وغيرهم من العاملين الواقفين على خط المواجهة بقوة وجدارة للحماية من المرض. ويعتبر التزام الموظف بالحضور في أماكن الحجر الصحي في الأوقات المحددة له من قبل مسئوليه وبناءً على تكليفات صادرة له هو واجبٌ من صميم واجباته الوظيفية، كونه أمر إداري موجه إليه من رئيسه ومسئوله المباشر فوجب عليه تنفيذه، وذلك استناداً لنص المادة (66) من قانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998 والتي جاء فيها: ” الوظائف العامة تكليفٌ للقائمين بها، هدفها خدمة المواطنين تحقيقاً للمصلحة العامة طبقاً للقوانين واللوائح: وعلى الموظف مراعاة أحكام هذا القانون واللوائح وتنفيذها وأن يلتزم بما يلي:

1. تأدية العمل المنوط به بنفسه بدقة وأمانة وأن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته، وأن يلتزم بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية بناء على تكليف من الجهة المختصة إذا اقتضت مصلحة العمل ذلك” ويتضح من هذا النص أن القانون ألزم الموظف بالعمل الذي يناط به وأن يلتزم بتنفيذ المهام التي تسند إليه، بل إنه ملزم بالعمل في غير أوقات العمل الرسمية إن كان ذلك مبني على تكليف رسمي صادر من جهة مختصة ومؤسس على مقتضيات مصلحة العمل.

ويعد امتناع الموظف عن الحضور في أماكن الحجر الصحي اهمالٌ واضح لمهام الوظيفة العمومية المكلف بها، وهذا يستوجب توقيع إحدى العقوبات التأديبية بحقه، والتي عددتها المادة (68) من قانون الخدمة المدنية رقم 4/1998، ولذلك يعتبر عدم حضوره في أماكن الحجر الصحي وإثبات دوامه هناك تغيباً عن الدوام الرسمي، ويوجب تطبيق نص م (90) من قانون الخدمة المدنية رقم 4 لسنة 1998 بحقه، والتي تنص في الفقرة الأولى منه على: ” يفقد الموظف وظيفته إذا تغيب عن عمله دون إذن مدةً تزيد عن خمسة عشرة يوماً متصلة ما لم يقدم عذراً مقبولاً. ” فالملزم بالعمل في أماكن الحجر الصحي ويمارس مهامه الوظيفية هناك هو بمثابة الجندي في ساحة المعركة وملزم أخلاقياً وقانونياً بالحضور، والدوام في أماكن الحجر الصحي بحسب القرارات والأوامر الإدارية الصادرة له من رؤسائه في العمل.

بل إن اهماله لواجبات وظيفيته بتغيبه عن الحضور في أماكن الحجر الصحي يعرضه لمسئولية جزائية علاوةً على المسؤولية التأديبية التي سبق ذكرها، فهي من ناحية إدارية إهمال بواجبات الوظيفة العمومية ومن ناحية جزائية هي جرم يعاقب عليه القانون، وهو ما نصت عليه المادة 141 من قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74 لسنة 1936 والتي جاء فيها ” كل موظف في الخدمة العامة أهمل قصداً القيام بواجب من واجبات وظيفته التي يحتمها عليه القانون، يعتبر أنه ارتكب جنحة بشرط أن لا يكون في القيام بذلك الواجب ما يعرضه لخطر يفوق ما ينتظر أن يتعرض له الرجل ذو الحزم والنشاط العادي” .

وكذلك المادة (143) من ذات القانون والتي جاء فيها ” كل من خالف قراراً أو أمراً أو مذكرة أو تعليمات صدرت له حسب الأصول من إحدى المحاكم من موظف أو شخص يقوم بمهام وظيفة عمومية ومفوض بذلك تفويضاً قانونياً، يعتبر أنه ارتكب جنحة ويعاقب بالحبس مدة سنتين، إلا إذا كان هناك عقوبة أخرى أو إجراءات مخصصة مقررة صراحة بشأن تلك المخالفة ” وهذا يعني أنه ارتكب جرم مخالفة الأوامر والمشروعة واهمال القيام بالوظيفية العمومية.

ومن جانب آخر إن غياب الموظف عن القيام بدوره في ظل هذه الظروف بالحضور في أماكن الحجر الصحي هو تعطيل لدور وزارة الصحة في مكافحة الأمراض، وذلك استناداً لنصوص المواد الواردة في الفصل الثالث من قانون الصحة العامة رقم 20/2004 المعنون بــ ” مكافحة الأمراض” والذي أعطى لوزارة الصحة صلاحيات واسعة في هذا النطاق بحيث تتمكن أن تحارب هذا الفيروس وتجعل الأمور تحت السيطرة من خلال كافة الوسائل بما في ذلك فرض التطعيم الواقي أو العلاج اللازم ومصادرة المواد الملوثة ومصادر العدوى، ولا شك أن الوزارة جسم إداري عماده أبناؤه من الإداريين والأطباء والممرضين وغيرهم من عمال النظافة ويساندهم في ظل هذه الظروف رجال الأمن.

وأخيراً ، نشيد بدور كافة الطواقم والعاملين في أماكن الحجر الصحي في ظل هذه الظروف الاستثنائية الذين يعرضوا أنفسهم لخطر كبير متحملين البعد عن أسرهم وعن ممارسة حياتهم الطبيعية لأجل خدمة أبناء شعبهم وحماية الجميع من هذا الخطر وتطويقه.