الصحة / نهى مسلم
“أعذرينى يا أمي” ..منشورا قد كتبه الحكيم ابراهيم النابلسية على صفحته عبر الفيس بوك ليعبر بها عن مدى الحنين و الألم معا قائلا: “ما يؤلمني حقا، أني قد وعدت أمي مسبقا أن يكون سحوري الأول برفقتها في شهر رمضان لهذا العام،، لم يكد يكمل حديثه و الا انقطع صوته من الهاتف محاولا اخفاء ذلك البكاء و النحيب الشجى اشتياقا لوالدته الذى لم يتمكن من ايفاء وعده لها كما و لم يتجاوز وداعه لها الدقيقة قبل خروجه لمستشفى العزل،ليقوم بتوصيله الى ذلك المكان أشقائه تلبية لنداء الواجب الذين اتحدوا وتربوا عليه .كما يقول النابلسية.
تحدثنا الى الحكيم ابراهيم النابلسية في صباح اليوم الأحد بينما كان يجهز نفسه لتسليم المستشفى للفريق القادم من بعده ، ومغادرة المستشفى بعد أن أكمل واجبه الإنساني تجاه المرضى على مدار خمسة عشر يوما متواصلة ، ليقضى بعدها فترة حجر أخرى ل 14 يوما أخرين حفاظا على سلامته و سلامة أسرته، و الذى لم يتمكن خلالها للمرة الثانية من مشاركة والدته مائدة السحور و مائدة الافطار، ليقول:” صيامي لرمضان هذا العام مختلف.. فالصوم عن الطعام والشراب أخف_مشقة من الصيام عن رؤية الأهل والأحباب”.
يقول النابلسية” هى تجربة قاسية و خاصة في أول يومين لكنها تحمل في طياتها كل معالم الانسانية و الفخر و الانتماء لشعبنا الذى يستحق منا التضحية و الايثار و سنخرج جميعا أقوياء و نثبت للعالم قدرتنا على تجاوز المحنة التي لم تتمكن دول من تجاوزها، ليودع مستشفى معبر رفح قائلا: ذهب التعب والعناء،، وابتلت أرواحنا بالسعادة والقوة،، وثبت الأجر إن شاء الله”، معبرا عن الشعور الخفي الذى لم يتمكن من وصفه لقمة السعادة والاسرية التي عايشها مع المرضى و الطاقم الطبي هناك حيث جمعهم شهر الرحمة وموائد الافطار التي تحمل معنى الاخاء و التراحم و الود، ليغادر المستشفى الذى اصبح جزءا منه و هو جزء منه برفقة الطاقم الطبي كما يقول “.
يستطرد النابلسية قائلا: “لحظات التحدي و الجهاد كما أسماها ،كانت في بداية الامر عندما نلتقى بالمرضى لنسحب عينات الدم منهم من مسافة قريبة، كما و نجرى لهم قياس العمليات الحيوية التي كانت على مدار ثلاث مرات يوميا و التي يسبقها نصف ساعة من الزمن لارتداء الزى الخاص بالوقاية و السلامة و عمليات التعقيم، و الامر الأن يختلف في ظل شهر رمضان و الصوم حيث الاجواء الحارة صباحا و ما يصاحبها من التعرق الشديد لثقل الزى و كثافته ،كما و نحرص على تناول الافطار الخفيف ليمكننا من أداء مهمتنا في المرور على المرضى في المرة الثانية و التي تسبق أذان المغرب، و بعدها نستكمل افطارنا”.
“بابا أنا عيان وسخن، بدي دوا” كانت من أصعب اللقاءات الهاتفية على نفسية النابلسية عندما هاتفه طفله ذو الثلاث سنوات و كأن لسان حاله يقول أحتاج لدفء و حنان حضنك و ليس للدواء، في هذه اللحظات لم يتمالك النابلسية حبس دموعه للمرة الثانية ليعبر عن شعور أشد قسوة و صعوبة على النفس، حيث اعتاد طفله أن يراه في صباح اليوم التالي بعد قضاء مناوبة له في مستشفى شهداء الاقصى لكن الامر اختلف عليه في مستشفى العزل حيث سيتمكن من رؤيته هذه المرة بعد صباح 28 يوما ليودعه طفله قائلا “ما طول عليا يا بابا” ، لكن اخوانه من الفريق المصاحب له كان دائما يرفع من معنوياته كما و كانوا جميعا يشدون عضدهم ببعض و يرفعون من معنوياتهم و معنويات المرضى جميعا للصمود أمام محنة لا بد من تجاوزها لسلامة أبناء شعبهم.
من أبرز الموقف التى لم أتمالك حبس دموعى لفرحة و لذة الانتصار يضيف النابلسية:” عندما تم شفاء عدد من المرضى و خاصة رجال الامن و الذين بدأوا يكبرون و يهللون عند مغادرتهم المستشفى ، شعرت بمدى الفخر والعزة والوقار لوقوفنا بجانب هؤلاء المرضى و علاجهم ، و تلاشت كل معالم الخوف التى انتابتنا جميعا نحن الطاقم الطبى “.
الحكيم النابلسية بين مواقف الحزن والفرح يقول اليوم بكل قوة أنا على أتم الاستعداد لخوض هذه التجربة مرة أخرى بأي مكان و أي زمان لأكون في أول القائمة لخدمة أبناء شعبي الذين دعمونى قلبا و قالبا سواء عبر الهاتف أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي و خاصة دعم والدى بمعنوياته العالية و ايمانه القوى الذى دفعني للعمل داخل مستشفى معبر رفح التى شكلت لى تجربة جريئة،موجها شكره لأركان وزارة الصحة التى كانت على تواصل دائم معنا لتلبى احتياجاتنا نحن و الطاقم الطبى و المرضى.
كان هذا شعار النابلسية على مواقع التواصل الاجتماعي على مدار خمسة عشر يوما ” سنبقى #أقوياء كما عاهدناكم، ولن نترك شعبنا ومرضانا، وسنكون دائما جاهزين لخدمة وطننا وشعبنا، حاملا رسالة لزملائه من بعده “أن خوض هذه التجربة سيشكل فارقة في حياته و بصمة انجاز و فخر في تاريخ عمله، و أن هذه المهنة ستبقى دوما هي مهنة ملائكة الرحمة التي لدوما نتصف بها و سنعمل بها ما حيينا”، ليختم(الحمد الذى اختارني لهذا العمل و خاصة في شهر رمضان حيث مضاعفة الاجر).