الصحة: نهى مسلم/
” كانت مشاهد و صورا لجثث و إصابات تقشعر لها الأبدان ،أبكت الرجال حقيقيةً من فظاعتها ، أشلاء ممزقة و جثث محترقة وبعضها نصفها الأخر لم يكن موجوداً أو قطعت رؤوسها،علاوة على جثث أطفال كانت تتوافد بالجماعات ممزقة و مبتورة و مشوهة لم تعرف ملامحها وجثث لنساء حوامل .

مناظر مروعة صدمت الطواقم الطبية من هول ما شاهدوه و لمسوه خلال الثماني أيام من الحرب،هذا ما عبر به د.أيمن السحبانى رئيس قسم الاستقبال و الطوارئ بمجمع الشفاء الطبى في بداية حديثه للمكتب الاعلامى لوزارة الصحة.

نوعية جديدة من الإصابات

حيث أكد د.السحبانى مندهشا من نوعية الإصابات التي تعاملوا معها قائلا::رأينا إصابات لم نعهدها فى حرب الفرقان،حيث استقبلنا إصابات من جميع الأنواع بتر و حرق و تمزق و أشلاء و قطع رؤوس و لكننا لم نشاهد هذه الحالات من قبل التي لم يبدو عليها أية أثار للدماء أو الخدش و جسمه سليم بالكامل.

و تابع :” بتوفيق الله أولا و بخبرة الطواقم الطبية و التدخل الطبي السريع استطعنا تشخيص هذه الأنواع من الإصابات و إنقاذ ما استطعنا إنقاذه حيث تبين بالتشخيص تهتك الأعضاء الداخلية و نزيف داخلي كحالة الطفل عبد الرحمن مجدي نعيم ابن الخمسة أعوام والذي بدا جليا على شاشات التلفاز أنه غير مصاب بأي شظية و جسده سليم حيث أصيب بنزيف داخلى”.

و نوه.السحبانى الى أن والد هذا الطفل يعمل طبيبا فى المجمع و كان كغيره من الأطباء على رأس عملهم أثناء فترة الحرب و الذين تجلت إنسانيتهم فى تلك الأيام الصعبة و لم يروا ذويهم و أبنائهم على مدار ثمانية أيام متتالية حيث أسرع ليسعف المصابين ليتفاجأ بابنه الذين لم يره منذ أن بدأت الحرب موجود بين هذه الإصابات ليودعه شهيدا يتلمس وجنيه و يمسح على رأسه بصمت وينظر إليه نظرات الألم و القهر و الوداع الأخير في مشهد من أصعب المشاهد الإنسانية التي أبكت الطواقم الطبية المتواجدة الذين ضغطوا على جراحهم و خوفهم و تعرضهم للخطر و بعدهم عن أطفالهم لخدمة أبناء شعبهم و تقديم الخدمة الصحية لهم و الذي زادهم قوة و إيمانا و صبرا من حيث لا يحتسبون..

استهداف الأطفال

و عبر رئيس قسم الاستقبال و الطوارئ بالمجمع عن صدمته الكبيرة من الجثث المروعة قائلا: وصلتنا مجازر عائلية أبيدت بالكامل كانت تأتى بالجماعات أمثال عائلة الدلو التي أبيدت عائلة بأكملها الأطفال الأربعة ووالدتهم و آخرين فى مشهد يبكى له الحجر ليس فقط الإنسان من بشاعة المنظر ، حيث هدم البيت فوق رؤوسهم و هم آمنين و عائلة أبو زور و حجازي و أبو كميل و غيرها من عشرات العائلات.

و أضاف:” تم استهداف أطفال عائلة عاشور الذين كانوا يلعبون الكرة على باب منزلهم في حي الزيتون و غيرهم،عدا عن مشهد الطفل عمر المشهراوى الذي لم يتجاوز العام حيث وصل جثة محروقة و الذي التقط أنفاسه الأخيرة بين ذراعي و لم استطع له فعل شيء سوى الدعاء له بالرحمة ،و الطفل عاشور (10 سنوات ) الذي وصل دون نصفه الأسفل ،و الطفلة نسمة قلجة التي أصيب بصدمة عصبية حرمتها من النطق .

فى تساؤل منه باستغراب و الم و حسرة من هول المشهد لماذا يحرق هذا الطفل الرضيع ما ذنبه ،متخيلا بأن كل أب في العالم رأى ابنه بهذا المنظر ماذا ستكون نفسيته،أو جسد ابنه مفصولا عن نصفه الأخر أو مقطوع الرأس أسئلة أوجهها إلى العالم الصامت الذي لم تتحرك مشاعره و هو يشاهد هذه الأطفال بجميع أنواع إصاباتهم على شاشات التلفاز،هل كانوا يرمون الصورايخ!

الحرب دمرت كل شيء في قطاع غزة الشجر و الحجر الأطفال و الشيوخ و النساء الحوامل و اختطفت آلاف من الفرحة فى منازل قطاع غزة،اغتالت براءة الأطفال و لم تعد هناك براءة بل ذبلت و غرس مكانها أطفال كبار قست قلوبهم و نما عقلهم بسرعة البرق،لم يعد فى قطاع غزة طفلا صغيرا بل أجساد صغار بقلوب صامدة و عقول ناضجة همها القصاص من الاحتلال الصهيوني.

و دعا السحبانى المؤسسات الحقوقية و منظمات حقوق الإنسان إلى زيارة قطاع غزة و رصد المجازر الصهيونية بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل و فضحها في كل دول العالم و المحافل الدولية ومحاكمة مرتكبيها فى المحاكم الدولية على اقترفوه من استباحة دماء الأطفال و النساء و المسنين و المدنيين ،و استهداف كل شيء يمشى على الأرض،و ما خلفته هذه الجرائم الوحشية من صدمات نفسية للصغير و الكبير.

خطة الطوارئ من أنجح الخطط

هذا و أشاد د.السحبانى بخطة الطوارئ لوزارة الصحة و اعتبرها من انجح الخطط التي أعدت ،موضحا بأنه تم إعداد ووضع خطة طوارئ ترأسها وزير الصحة د.مفيد المخللاتى و ذلك تحسبا لأي طارئ و كانت من ثلاث مستويات (أ,ب،ج) و تم الاتفاق على آليات تنفيذها.

وأشار إلى أن خطة الطوارئ كانت ترتكز على ثلاث محاور رئيسية الأولى قسم الاستقبال و الطوارئ خط الدفاع الأول في جميع الحالات و استقبالها و إنقاذ الأرواح،و الثانية العمليات حيث تم تخصيص طاقم من الأطباء و الاستشاريين و الأخصائيين و التمريض،و الثالثة و هي العناية المركزة حيث تم تزويد عدد الأطباء و التمريض و كانوا جميعهم بانتظار الحالات على قدم و ساق.

و قال بأنه تم إعلان حالة الطوارئ والتعامل مع المستوى (أ ) منذ أن تم قصف بيت عزاء آل حرارة في حي الشجاعية و راح ضحيته أبرياء كانوا يستقبلون التعازي من المعزين،حيث منعت الإجازات و السفر للخارج على صعيد الطواقم الطبية و التأهب و الاستعداد لأي تصعيد صهيوني.
وأضاف:”بمجرد أن تم اغتيال القسامى الشهيد أحمد الجعبرى و بدون مقدمات تم إعلان حالة الطوارئ القصوى و هي المستوى (ج)،حيث تقسيم الكوادر الطبية بمجمع الشفاء الطبي كأكبر مجمع طبي فى قطاع غزة و أكثره ضغطا الى قسمين (أ و ب)،و تم زيادة عدد الطواقم الطبية إلى عشرة أطباء و عشرة من التمريض و عشرة متطوعين من الأطباء و التمريض حيث أصبح لدينا فى القسم ثلاثين كادر طبي و الحمد لله كنا نتعامل مع حجم الاصابات الكبير بأريحية كاملة.

واصلوا الليل بالنهار

و تابع قائلا:” فور اغتيال الجعبرى بدأت تتوافد علي القسم عشرات الإصابات جراء الاستهدافات المتكررة و المتخبطة من الطائرات الحربية للبيوت الآمنة و المراكز الشرطية و المدنية والطواقم الإعلامية و الاراضى الفارغة و الأطفال و المدنيين العزل،و بمختلف الإصابات المروعة و عشرات الجثث المشوهة و المبتورة و المتفحمة،و بفضل الله و توفيقه تم التعامل مع هذا الكم من الإصابات و الشهداء و بجهود المخلصين من الأطباء و التمريض الذين واصلوا الليل بالنهار في العمل و لم تغمض لهم عين و كانوا يعملون كجنود مجندة و كخلية نحل متكاملة و على رأسهم وزير الصحة د.مفيد المخللاتى الذي كان يعمل على رأس الطواقم الطبية يشرف و يباشر العمل بنفسه و الذي لم يغادر المجمع على مدار الثمانية أيام ،حيث أعطى دفعة معنوية و نفسية قوية للطواقم الطبية و التى عملت بالفعل بحس انسانى وطني معززا بداخله أن المصاب أو الشهيد هو أخيه أو ابنه أو والده

و عن السعة السريرية للقسم قال د.السحبانى:”بأن الأسرة فى غرف العمليات و العناية المركزة كانت مجهزة لاستقبال لأي عدد من الإصابات و مجهزة بالأطباء و الجراحين و الاستشاريين،فكل إصابة يلزمها عمليات أو عناية مركزة يتم تحويلها على أقصى سرعة مما ساهم بشكل كبير إلى إفساح المجال في قسم الاستقبال و الطوارئ لاستيعاب اى إصابة

موقف الجانب المصري

و عبر د.السحبانى عن فخره و اعتزازه بموقف الجانب المصري الذي فتح الحدود من أول يوم في الحرب و استقبال أي إصابات في مستشفياتها على وجه السرعة و دعم المستشفيات بالأدوية و المهمات الطبية الطارئة حيث لم نشعر بأي نقص فيها طوال فترة الحرب ،كما و شكر جميع المؤسسات و الجمعيات الدولية و الأهلية الصحية التي عرضت خدماتها الصحية و كذلك الدول التي تبرعت بالأدوية و تسعى إلى استقبال إصابات الحرب في مستشفياتها خاصة تركيا و تونس و غيرها.

تضامن عربي و دولي

كما و أعرب عن سعادته لما لمسه من التضامن العربي و الدولى و الشعبي مع قطاع غزة حيث الوفود الطبية التي ساهمت بشكل كبير فى مساعدة الأطباء و الجراحين في المجمع و كذلك الوفود المتضامنة و الرفيعة المستوى و التي أعطت حافزا كبيرا للعمل دون كلل أو ملل أشعرت الجميع بأن الشعب الفلسطيني ليس وحده في الميدان.

و لم ينسى فى هذا المضمار الجنود المجهولين من أفراد الشرطة ودور الداخلية في ضبط الأمن و تسهيل الحركة المرورية لسيارات الإسعاف و ناقلات المصابين ، و رجال الإعلام الذين واصلوا الليل بالنهار فى المجمع لم تغمض لهم عين و عرضوا حياتهم للخطر و الموت لنقل الحقيقة و البشاعة الإجرامية التي ارتكبها العدوان الصهيوني بحق أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل و كذلك دور الإداريين و عمال النظافة.