من المنكر الحرام تسلل بعض الموظفين لواذا قبل انتهاء الدوام.
السؤال :
اعتاد بعض الموظفين مغادرة مواقع العمل قبل انتهاء وقت الدوام الرسمي، الذي حددته القوانين المنظمة للعمل، أو التأخر في الحضور عند ابتدائه، فما حكم الشرع في هذه الظاهرة؟
الجواب :
أولا_ إن الأصل في الوظائف أنها من باب الإجارة الخاصة المقدرة بالزمن، فالموظف أجير خاص، والأجير الخاص هو من قدر نفعه بالزمن، فيلزمه تفريغ هذا الزمن للعمل الموكل إليه فقط؛ لأنه لو ترك الأمر لتقدير الموظف، ليحضر عند وجود العمل، وينصرف عند عدم وجوده لفشلت المؤسسات، وتعطلت الأعمال، وضاعت الحقوق؛ لعدم إمكان ضبط هذا الأمر.
ثانيًا _ إن الموظف بموجب هذه الإجارة محبوس على ذمة الدولة، خلال ساعات الدوام الرسمي، سواء كان عمله قليلاً أو كثيراً، أو لم يكن له عمل؛ فالراتب مربوط بزمن محدد، بغض النظر عن حجم العمل المطلوب، وهذا الزمن ملك للأمة يأخذ عليه مقابلاً من أموال المسلمين العامة، فإذا اختلس من هذا الوقت شيئا لنفسه فقد أكل حرامًا، وطعم سحتًا، وكان خصمه يوم القيامة كل فرد في المجتمع.
ثالثاً _ يجب على الموظف أن يبقى في مكان عمله، ولو كان المراجعون قليلين، أو لا يوجد مراجعون، أو لم يكن عمله مرتبطًا بالجمهور، لأن وقت الدوام ملك للأمة، وليس ملكا له، وقد اشترى منه هذا الوقت بالراتب الذي يستلمه، فلا يجوز له، أن يبخس منه شيئا لمصالحه الخاصة، إلا بعذر يقره النظام الوظيفي الذي رضيه عند التوقيع على عقد العمل؛ صراحة أو ضمنا، وكما أن الموظف لا يرضى أن تنقص الدولة من راتبه شيئا، فكذلك يجب عليه ألا ينقص هو من حق الأمة عليه شيئا.
رابعا _ قد تعرض للموظف حاجة ماسة للخروج أثناء الدوام، فلا بأس بذلك، إذا روعيت شروط ثلاثة مجتمعة وهي:
1- أن تدعو لذلك حاجة أو مصلحة لا يمكن تأخيرها، أو يشق تأجيلها إلى ما بعد الدوام.
2- أن يكون خروجه بإذن من رئيسه، أو مديره في العمل، الذي يملك صلاحية إعطاء الإذن.
3- ألا يتعطل العمل بخروجه؛ بأن يوجد من ينوب عنه إذا احتاج الأمر.
أما الصلاة الفريضة، والاستعداد لها، فلا يجوز للموظف أن ينفق فيهما من الوقت أكثر مما يلزم، ولا أعتقد أن ذلك يحتاج لأكثر من زيغ ساعة غالبًا.
خامسا ً_ يجب على المسلم أن يؤدي ما وجب عليه من حقوق؛ عامة أو خاصة، وحرم عليه إضاعتها، من قبل أن يؤذيها يوم القيامة من حسناته، أو يتحمل كفلا من آثام المتضررين؛ لما روي أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ” أخرجه مسلم.
وعن خولة الأنصارية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :” إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة” أخرجه البخاري. _ التخوض في مال الله: هو التصرف فيه بما لا يرضاه سبحانه، أو هو التخليط في تحصيله من غير وجهه كيف أمكن، ولا شك أن المال العام داخل في مال الله تعالى _.
سادساً _ إن الالتزام بشروط العمل، ومنها المحافظة على الدوام الرسمي، أمانة في عنق الموظف، ومسئولة المباشر، وقد أمر الله تعالى بأداء الأمانات إلى أصحابها؛ فقال تعالى: ( إن الله يأمركم أن بؤدوا الأمانات إلى أهلها..). سورة النساء .
لذا عليك أخي الموظف الكريم أن تحرص على عملك، وأن تلتزم بساعات الدوام الرسمي، خوفاً من الوقوع في إثم خيانة الأمانة، إذ يقول ربنا سبحانه وتعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ، وأعلموا أن أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم ). سورة الأنفال _ ورهباً من أن تكسب حراماً، وتطعم أهلك سحتاً؛ لأن كل جسم نبت من سحت فالنار أولى به؛ فعن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” يا كعب بن عُجرة، إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به” أخرجه الترمذي.
سابعاً _ إن الموظف الذي لا ينضبط في دوامه، يعلم تماماً أنه لو ضبط واكتشف أمره، فإنه سيكون عرضة للعقاب الذي ينص عليه القانون، ويحاول ألا ينكشف أمره، وتراه في خوف من ذلك، وفي قلبه ريبة من فعله، فهو يحاول التستر ما أمكن؛ لأن القلب يكون في مثل هذه الحالة غير مرتاح لما يفعله صاحبه، وهذا ما عناه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله لوابصة بن معبد: ” يا وابصة، استفت قلبك، والبر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حالك في القلب، وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك” أخرجه أحمد.
ثامناً _ لا عبرة للعرف المخالف لقانون العمل، وشروط العقد؛ فلا يجوز الانصراف قبل نهاية الدوام؛ بزعم أن الموظفين تعارفوا فيما بينهم على مغادرة أماكن عملهم قبل نهاية الدوام، ولو بزمن يسير؛ كعشر دقائق مثلاً، ولو لم يوجد الموظفين تعارفوا فيما بينهم على مغادرة أماكن عملهم قبل نهاية الدوام، ولو بزن يسير؛ كعشر دقائق مثلاً، ولو لم يوجد مراجعون، كما لا يبرر للموظف الانصراف من عمله قبل نهاية الدوام انصراف زملائه قبله.
الشيخ / إحسان إراهيم عاشور
مفتي محافظة خان يونس وعضو مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين.