عزيزي موظف وزارة الصحة أي كان موقعك، كن لينا تكن محبوبا.
يقول أمير الشعراء:
ينال باللين الفتى بعض ما يعجز بالشدة عن غصبه
واللين سمة من سمات العقلاء، ودلالة على عظمة النفس وعليائها، وهو كذلك عنوان القلوب المؤمنة، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها ), رواه الخاري.
ومن الناس صنف غريب يظن أنه بنجاحه في رسم تقطيبة على جبينه، وزرع الصرامة في قوله قد برهن على رجولته، وعظم مسئوليته، وهذا أبعد ما يكون عن الحق، فالإسلام يريد صياغة التعامل مع الناس صياغة معتدلة، فهو مسئول لكنه غير صارم ولا قاس، كذلك هو سهل لكنه ليس بمتساهل، دقيق في أمور الحلال والحرام لكنه ليس معقد أو متكلف.
يقول نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: ” ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلى شانه”، أما هؤلاء الذين يقيمون الدنيا ويقعدونها بسبب شعورهم بأنهم يحملون أعباء تفوق طاقتهم فيما يلهو غيرهم من الزملاء متهربين من العمل، أو بسبب تأخر المريض عن القدوم قبل نهاية الدوام بقليل، أو التعالي والتكبر على المراجعين والتجهم في وجوههم إلخ… فليس لهم من الخير نصيب، ومن الحكم العمرية أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاءه أحد المرشحين لتولي حكم ولاية إسلامية، فسأله رضي الله عنه عن حاله مع أهله، فانتفخت أوداج الرجل واشرأب عنقه وقال: ( إني إذا دخلت البيت قام الجالس، وسكت المتكلم، وعم الصمت أرجاء البيت) فقال له أمير المؤمنين: اذهب فو الله لا أوليك أمر المسلمين أبدا، وكأنه رضوان الله عليه قد أبصر أمامه دكتاتورا اسريا يطمع أن تغطي دكتاتوريتة بلاد المسلمين.
إن المسلم أعزائي الأفاضل، كالنحلة – كما في الحديث – تأكل طيّبا وتضع طيّبا وإذا وقعت على عود لم تكسره.
وهو رغم هذا عند الحق وقافا، يختزن غضبته لله ورسوله، وله في نبيه قدوة ومثل،
والله جل شأنه يمن على رسوله بأن رحمته سبحانه هي سبب إيمان الناس به والتفافهم حوله، ولو أنه صلى الله عليه وسلم كان شديدا فظا لتركه الناس وذهبوا، يقول سبحانه وتعالى: ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) آل عمران.
والرحمة صفة رئيسية لمن أراد كسب القلوب، وبها كان يعرف الأنبياء، يقول عبد الله بن عمر: إني أرى صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة، أنه ليس بفظ، ولا غلظ، ولا صخاب في الأسواق. مختصر ابن كثير للصابوني,
وما أجمل قول الشاعر:
خذ الأمور برفق واتئد أبدا إياك من عجل يدعو إلى وصب
للرفق أحسن ما تؤتى الأمور به يصيب ذو الرفق أو ينجو من العطب
وأجمل منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ألا أخبركم بمن يحرم على النار، أو بمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب سهل لين” صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.