مدير المستشفى الميداني الأردني يلقي محاضرة بمجمع الشفاء بعنوان (الأخلاق الطيبة .. الشفاء منحة الشافي)

أكد العقيد د. فؤاد بطاح مدير المستشفى الميداني الأردني خلال إلقائه محاضرة في قاعة التدريب بمستشفى الولادة بمجمع الشفاء الطبي بحضور عدد من مدراء المستشفيات والدوائر بالمجمع ورؤساء الأقسام ولفيف من الأطباء والتمريض والإداريين، والتي كانت بعنوان (الأخلاق الطيبة .. الشفاء منحة الشافي) بأن مجمع الشفاء الطبي من أكبر المجمعات الطبية على مستوى فلسطين ، وأنه أمام تحد كبير في ظل الحصار وإغلاق المعابر، وما لهما من أثر كبير على حياة المواطنين والمرضى على وجه التحديد، شاكرين لجهود الأطباء الكبيرة والتي يبذلونها من أجل خدمة ورعاية المرضى الذين يعانون ليل نهار بسبب نقص الدواء والاحتياجات الطبية بفعل الحصار.

وأوضح إننا كعاملين في الخدمات الطبية ووسطاء في عملية الرعاية الصحية نعني اساسا بتقديم الشفاء ( الإبراء) للناس أمثالنا، والذي يمارسه الأطباء ليس مهنة بل مهمة بل رسالة إنسانية قبل كل شيء ، موضحا أن أى تقدم حقيقي يجب أن تكرس له الجهود والاهتمام لتنظيم القطاع الصحي وفق اسس نزيهة وسليمة.

واعتبر الصحة مثل التربية والعمل حقاً اساسياً تقوم عليه علاقة شراكة ، بين المعالج والمريض ، وينبني عليها اسمان بأن النطاق الكامل للخدمات الصحية يجب أن يكون في متناول يد الجميع.

وأفاد د. بطاح بأن الأطباء لا يعالجون حالات مرضية بل اشخاصاً يتوجب التعامل معهم بأمانة ومصداقية ونزاهة، فالطبيب إنسان من بين الناس يصدر قراراته كخبير وكل طبيب يصير مع الزمن عالماً في الاخلاق ما لم يأب هو ذلك.

وبين د. بطاح أن الاطباء لا يعالجون الأمراض بصورة اختلال يصيب الاعضاء بل اسقاماً بصورة اعتلال يعتري الانسان ككائن بشري، ولا يعالجون آلاماً تصاحب صوراً مرضية مختلفة بل معاناةً يطوقها المريض ككائن بشري غير حصين خاصة عندما يواجه الموت نهاية العمر وخاتمة الحياة وبداية الآخرة بصورة ساطعة.

وأوضح أن دور الطبيب كمعلم وحكيم يتضمن الحماية والإعالة واعتبارات بذل الجهد والمغامرة والرحمة والتكافل وخاصة فيما يتعلق  بمن لا حول له من المعوزين الذين لا يملكون  القدرة المادية، ويتضمن أيضاً بعض الثقة الذي لا يقدر بحساب  وتبادلية العطاء وواجب الوفاء تجاه المرضى ، ويوجب عليه تعليم وتوجيه المرضى فيما يتعلق بمعنى الامراض وأساليب العلاج والصبر والمثابرة والنجاح والفشل.

 

هذا وأشار د. بطاح أن كل طبيب فينا وكل مؤسسة طبية لها معاييرها الاخلاقية ، لكن الجميع مرتبط – وباختيار حر مسئول – مع معايير المرجعيات الطبية وقيم خبراء الرعاية الصحية ومفردات الاخلاق الطبية في جميع أنحاء العالم والمعلومات الطبية لم تكن يوما حكرا على احد بل هى ملك البشرية جمعاء وممارستها الواعية المسئولة ما هو إلا مؤشر ساطع ودليل قاطع على ان البشرية كل لا ينفصل – كلكم لآدم وآدم من تراب.

 

ووجه د. بطاح رسالة كطبيب قائلا “نحن مدينون بالاحترام لمن علمنا الطب وأرشدنا إلى الممارسة ومدينون بواجب الشكر للمجتمع الذي يدعمنا ويفسح لنا المكانة اللائقة ومعترفون بما يكنه الناس لنا من احترام وتقدير و إقرار بالعلم والعمل والمكانة.

 

وأكد د. بطاح أن اختزال مهنة الطب واختصار مهمتنا “كأطباء” في حقل تجاري او صنف مادي  أمر مقيت، فالعناية الصحية ليست بضاعة أو ساحة للتكسب والارتزاق أو مجالا للاستغلال وجني الأرباح.

 وأن المرضى ليسو زبونا او مستهلكين والأطباء ليسوا مجرد فنيين يتعاملون مع المرضى كأرقام ورموز كما يتعامل صاحب القطيع مع غنمه وشهادتنا ليست ثمارا خمطا قائما علي التبجحات والاستعلاء ودعائم النفع والمادة.

وأكد د. بطاح “إننا كأطباء بداخل كل واحد منا التزام ضمني نحو واجب الرعاية لصحة الآخرين ومعافاتهم متسائلا ألا يوجد اعتراف غير محكي في ضمير كل واحد بأن العناية بالمريض تنحدر من واجب تحقيق الراحة والسعادة لكل المرضي ، لكل الناس، بل وللبشرية جمعاء ، أليس من المحتمل بان حياتنا في الطب تقوم علي حلم تحقيق السلامة الكاملة لمجتمع الانسانية الذي يستحق منا كل جهد وتفان وكل عمل ذهني ، هذا هو الافق السامي لمفهوم الشفاء وقد كان من معجزة عيسي علية السلام أن أمكنة الله بجزء من صفاته العليا ( الشافي) وأسمائه الحسني (المحيي) في الآية “وأبرئ الأكمة والأبرص وأحيي الموتي بإذن الله “.

 

هذه المعجزة لم تكن حلا نهائيا لمسالة الفناء البشري أو الموت ، فمن أحياه سيدنا عيسى عليه السلام كان عليه أن يعاين الموت، ومن أبراه كان عليه أن يتعرض للمرض من جديد لكنه في كل قصة  شفاء أو معجزة إحياء كان يتفتح معنى ً في إيمان المريض ومن يقوم مقامه بإدراك رمزية ومدلول وإشارة تعبر عن محبة الله لمهنة الإبراء والشفاء والإحياء والإنقاذ.

 

لذا فالمبرر متوفر لدعوة أنفسنا اعتبار هذه المهنة رسالة مقدسة حقا ومهمة سامية فعلا، ألا نقيدها في إطار المثل العلمية ولا نحصرها في نطاق محبة للناس ولا نختزلها في حلم الصحة للجميع، وهناك ما يكفي من القصص والأمثلة الشخصية لحفزنا على فهم هذا الشأن كإرادة إلهية ودعوة ربانية منذ الأزل لملء الحياة بالأهداف العالية والغايات النبيلة.

 

 

من جهته شكر د. حسين عاشور مدير عام مجمع الشفاء الطبي سيادة العقيد د. فؤاد بطاح على هذه المحاضرة الطيبة، مبينا أن عمل الأطباء والطواقم الطبية رسالة أكبر عمقا وأكثر رحمة وأعظم إسعادا ً وأن مهنة الطب هي أعظم علم بعد العلم بالله عز وجل وعبادته، موضحا وأنه لمن حسن الطالع بل وشرف كبير أن نوكل بهذه المهمة كأطباء وأن نكون على المحنة لا معها، وأن نحدث رحمة الله في عباده وأن نجلي أسرار الله في خلقه، فإن الشفاء الذي يحصل على أيدينا حتى لو كان محدودا ومؤقتا ً ينقذ حياة ُ ويعطي أصحاب العقول النيرة فهما أن الحياة يمكن إنقاذها بسر معجزة الشفاء وقدرة الشافي المعافى (وإذا مرضت فهو يشفين).

 

وفي نهاية اللقاء أعرب الأطباء وجميع الحاضرين عن سعادتهم بهذا اللقاء الذي يأتي في إطار تذكير الأطباء بمهنة الطب وتعزيزا للأخلاق الطبية وتكريسها باستمرار أثناء العمل من خلال التعاطي مع كافة المرضى، مؤكدين التزامهم الأدبي والمهني والأخلاقي تجاه المرضى رغم ما يتعرضون له من مضايقات كبيرة واعتداءات لفظية وجسدية، إلا أنهم بينو أنهم ماضون في رسالتهم الإنسانية والمهنية كأطباء لدعم صمود المواطن الفلسطيني الذي يواجه كافة التحديات وضغوطات الحياة بسبب الحصار الصهيوني الجائر.