هل تأملت هذا الرجل الذي احدودب ظهره، وابيض شعره، وتثاقلت خطاه، وخارت قواه، وسقط حاجباه، وتناثرت أسنانه؟ فهو يقوم ويقعد بصعوبة، ويصلي ويصوم بصعوبة، ويأكل ويشرب بصعوبة، ويقضي حاجته بصعوبة…!

·واليوم هذا الرجل… ألم يكن شاباً مثلك؟ يعيش حياة الشباب ويسير سيرهم… ويلهو لهوهم… ويلعب لعبهم… لقد ظن هذا الرجل أن أيام الشباب طويلة، وأن قوة الشباب قاهرة، وأن نضرة الشباب تزهو على الليالي والايام!!

·واليوم، بعد أن كبرت سنه… وضعف بنيانه… وتنوعت أسقامه… يبكي على ما ضاع من عمره في اللهو واللعب… يبكي على قوة الشباب التي ولت، وعلى نضرة الشباب التي استبدل بها الكبر والشيخوخة… ويتمنى أن يعود إليه شبابه وقوته ليصرفها في طاعة الله ورضوانه، ولكن هيهات هيهات… فكل يوم أنشق فجره ينادي ابن آدم ويقول : “يا ابن آدم! أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد، فاعتنمني فإني لن أعود إلى يوم القيامة...”

·إن هذا الرجل يعيش اليوم حياة كلها ندم وحسرة… لماذا؟

لأنه لا يقوى على عبادة الله في زمن العجز والضعف والوهن… يريد الصلاة فلا يستطيع… يريد الصيام فلا يستطيع… يريد الحج والاعتمار فلا يستطيع… يريد زيارة القبور وتشييع الجنائز فلا يستطيع… قد هده المرض… وتكاثرت عليه الاوجاع… لذلك فإنه يبكي!

بكيت على الشباب بدمع عيني***فلم يغن البكـــــــــــاء ولا النحيب

فيــــــا أسفاً أسفت على شباب***نعــــــاه الشيب والرأس الخضيب

عريت من الشبـاب وكنت غضّا***كما يعرى من الورق القضيـــــب

فيـــاليت الشبـــاب يعـــود يوما***فأخبره بمـــا فعـــــل المشيـــــب