أكد وزير الصحة الفلسطيني الدكتور باسم نعيم على أن أزمة نقص الأدوية في كافة المرافق والمستشفيات الطبية بقطاع غزة ما زالت قائمة، وأن الوضع ينذر بكارثة قد تقع في أي لحظة، مشيراً إلى أن قرار الحكومة باستقطاع " 5% " من رواتب الموظفين تعد خطوة إغاثية عاجلة تستدعي من حكومة رام الله اتخاذ خطوات عملية لإيصال كميات الأدوية التي يحتاجها القطاع بصورة متواصلة دون تأخير يذكر. وأوضح نعيم في حوار مطول مع "فلسطين"، أن وزارته تتجاوب بمسؤولية عالية مع شكاوى المواطنين وخاصة التي تتعلق بالأخطاء الطبية، مشيراً في ذات الوقت إلى ارتفاع نسبة التحويلات للعلاج في الخارج نتيجة للنقص الحاد في إمكانيات القطاعات الصحية الموجودة. وبين نعيم أن سلطات دولة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية في رام الله يتحملان المسؤولية عن التدهور الحاد في نقص الأدوية، وقال:"منذ شهور اتخذ قراراً سياسياً بعدم إرسال احتياجات غزة وانه نتيجة للإلحاح التي نقوم بها لأجل إنقاذ المواطنين بين الفينة والأخرى يتم إرسال نصيب غزة بكمية محدودة لا تكفي إلي أسابيع لتنفيس هذا الضغط ثم يتم العودة إلي نفس الدائرة". مستودعات فارغة وأوضح أن نعيم أن الأزمة الحالية التي تمر بها وزارته لم تكن وليدة اللحظة، حيث باتت المستودعات الطبية ولأكثر من مرة في الفترة السابقة تخلو بشكل تام من الأدوية والمستلزمات الطبية الهامة التي يحتاجها الكادر الطبي في معالجة المواطنين الغزيين في المراكز الصحية. وأضاف :"الأزمة تفاقمت بزيادة أعداد أصناف الأدوية التي بات رصيدها صفر، فهناك 40% من قائمة الأدوية الأساسية غير موجودة، وفي السابق كان النقص يمس شريحة محدودة من المرضي، إلا أن النقص اليوم يمس كافة شرائح القطاع الصحي بالرغم من بساطتها كالشاش والكحول والخيوط الجراحية والجل الخاص بصورة التلفزيون". وتابع نعيم بالقول إن أزمة الدواء ألقت بظلال واسعة على القطاع الصحي، والذي بدوره توقف عن تقديم الخدمات المختلفة للجمهور من العمليات وجراحة المناظير والعظام والأعصاب والفحوص المخبرية والتصوير الطبي وغيرها من المجالات. وأشار وزير الصحة نعيم إلى أن ما يزيد عن 180 صنفاً من الأدوية الهامة، ومائتان صنفاً أخر من المستلزمات الطبية باتت مفقودة من مستودعات القطاع، مشدداً في ذات السياق إلى أن ذلك من شأنه أن يخلق وضعاً كارثياً في حال استمراره. وذكر نعيم :"الأزمة الحالية أزمة إنسانية بحتة، استدعت تحرك الوزارة على أكثر من مستوى منها المؤسسات الطبية العربية والدولية فتواصلت مع رام الله والتقت الوزارة مع أكثر من خمس وعشرون مؤسسة صحية وأرسلت العديد من الرسائل كوزارة الصحة المصرية والقطرية والتركية وحتى الحكومة في غزة". وأكد أن "الأزمة ما زالت قائمة بالرغم من الجهود المبذولة وتدخل لدى الجهات المختلفة لإيصال الدواء إلى غزة، فوزارة الصحة في رام الله لا زالت تتذرع بأسباب واهية وترفض إرسال الأدوية بحجة سرقتها من قبل الحكومة في غزة، بالإضافة إلى وجود نقص في الأصل بمستودعاتها". لجنة مشتركة ولفت نعيم النظر إلى أن وزارته أبدت موافقتها على تشكيل لجنة مشتركة من غزة والضفة للتحقيق من الكوادر الطبية المتخصصة والجهات المستقلة للتأكد من الاتهامات الموجهة إلا أنها لم تلمس أي استجابة لذلك، مضيفاً "يبدو أن السبب هو وجود قرار سياسي بمنع إدخال الأدوية إلي القطاع وليس غيره". وأشار إلى أن الحصار الإسرائيلي شل من قدرة الحكومة الفلسطينية لتوفير الاحتياجات اللازمة من الدول العربية والغربية، بسبب إغلاقه للمعابر الرئيسية، وعدم إتاحة استقبال أي مساعدة دولية قادمة عبر معبر رفح الحدودي جنوب قطاع غزة. وأبدى نعيم استغرابه من صمت المجتمع الدولي على الأزمة الحالية التي يعيشها القطاع الصحي بغزة، وعدم تفعيل حلقات الضغط على دولة الاحتلال وعلى السلطة الفلسطينية في رام الله، لإيصال المستحقات الدوائية والعلاجية المقرة. وتابع بالقول :"بصورة معاكسة لما هو مطلوب يأتي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مؤيداً لمنع دول العالم سفن كسر الحصار من الوصول إلي غزة لجلب المساعدات والأدوية البسيطة"، مطالباً بالكف عن "السياسة الظالمة المتبعة اتجاه قطاع غزة". وقال وزير الصحة نعيم إن المجتمع والمؤسسات الدولية أصبحا بعيدين باهتمامهما في مساندة القطاع الصحي بغزة، بالرغم من تعاملهم لسنوات طويلة على دعم المواطنين وسد احتياجاتهم، متوقعا أن يكون السبب وراء "ترويج" العديد من الأطراف لفك السلطات الإسرائيلية للحصار المفروض، وفتح المعابر، بالإضافة إلى الأحداث التي تمر بها المنطقة من احتجاجات وثورات. وفي هذا الإطار أكد أن وزارته طالبت الحكومة الفلسطينية بغزة مساندة المؤسسات الصحية من الأزمة التي تعيشها بصورة عاجلة، حيث قررت وبصورة عاجلة استقطاع ما نسبته 5% من رواتب الموظفين لديها لصالح شراء الأدوية والمستلزمات الطبية. كخطوة إسعافية وأوضح نعيم :"تم وضع ملف الأدوية وحاجة الوزارة على سلم الأولويات، وكخطوة إسعافية عاجلة تم اعتماد الخصم من رواتب الموظفين ولمدة شهر واحد"، معبراًَ عن أمله في سد المبالغ المستقطعة النواقص الطبية المطلوبة. وفي سياق أخر قال وزير الصحة نعيم في معرض رده على سؤال حول شكاوى المواطنين إن وزارته تتجاوب بمسؤولية عالية مع شكاوى المواطنين الواردة في حال وقوع أي من الأخطاء الطبية أو المشاكل الفنية والإدارية داخل المستشفيات والمراكز الصحية المنتشرة بالقطاع. وأضاف :"لا يوجد شكوى من ألاف الشكاوى التي وصلت تم إهمالها طيلة السنوات الأربع الماضية ولم يرد عليها، ولم تشهد فترة من الفترات جدية متابعة شكاوى المواطن مثل هذه الفترة"، معتبراً الرد على شكاوى ومطالب الجمهور بالعمل الأساسي التي تتعامل مع الوزارة بمسؤولية عالية. وبين نعيم أن وزارته حرصت على تفعيل دائرة استقبال شكاوي المواطنين، وتفعيل لعدد من الآليات الجديدة لوصول الشكاوى عن طريق الرسائل المكتوبة، ونواب المجلس التشريعي، النائب العام، ومؤسسات حقوق الإنسان، بالإضافة إلى استقبال الشكاوى عن طريق الموقع الالكتروني الخاص بالوزارة. وذكر :"يتم الرد على كافة الشكوى على اختلاف شكلها أما بالسلب أو الإيجابي، وتمر الشكاوي بمرحلة التحقق من مصداقيتها، ثم تبدأ المرحلة الثانية وهي مرحلة التحقيق ولا تترد الوزارة في تشكيل لجان من خلال الإداريين أو المستشارين وحتى من اللجان خارج الوزارة لضمان الشفافية والمصداقية". سحب مزاولة مهنة وقال وزير الصحة إن:" هناك نحو "5000"شكوى من كافة المحافظات وقد تم تشكيل لجان خاصة لدراستها ووضع الحلول الملائمة لمعالجتها، حيث شكلت الوزارة في العام 2010 نحو 150 لجنة تحقيق (…) وهناك شكاوى يتم الرد عليها دون أن يتم تشكيل لجنة خاصة بها "، مشيرا إلى انه بعد تدارس العديد من هذه الشكاوى تبين أن بعض منها يتعلق بالتقصير الطبي والبعض الأخر تقصير ادارى. واعتبر نعيم وقوع بعض الأخطاء الطبية والمشاكل الأخرى، في القطاع الصحي بالمستشفيات والمراكز الصحية، بالأمر الوارد في ظل الظروف القاسية والصعبة التي يعمل بها الأطباء الغزيين، من نقص في المعدات والمستلزمات والعجز المادي مقارنة مع الدول الأخرى. وبالرغم من ذلك أكد نعيم أن المواطن ولأول مرة في تاريخ العرف الصحي الفلسطيني يسلم ورقة مكتوبة موقعة من وزارة الصحة تثبت له حقه في حال وجود أي تقصير وقع عليه، والتي يستطيع من خلالها اللجوء إلى القضاء أو أي من الجهات ذات العلاقة. وشدد :"وفي إطار الحرص على الشكاوى التي تصلنا بأمان، هناك عقوبات تأخذ بحق الكوادر المهملة في عملها تبدأ من حالة لفت النظر والنقل وحتى سحب مزاولة المهنة من عدد من الكوادر وإغلاق مؤسسات صحية في حال أثبت أي تحقيق صحة الشكوى المقدمة". وهناك إجراءات أخري لها علاقة بالمحاكم والقانون وهي بعيدة عن الوزارة ولا يوجد لها أي دور فيها سوي إرسال الورق الذي يثبت وجود التقصير من عدمه. ويوجد في الدول المتقدمة كألمانيا والولايات المتحدة آلاف نتيجة الأخطاء الطبية الغير متعمدة. وبخصوص التحويلات الطبية قال نعيم إن العامين السابقين شهدا ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد التحويلات للمستشفيات الخارجية في الدول العربية والأجنبية، بعد أن استطاعت الوزارة أن التقليل بشكل كبير من التحويلات غير مستوفاة الشروط والمعايير السليمة. تأصيل فكرة وبين أن نهج الوزارة المتبع في ضبط التحويلات الخارجية قد قلل بصورة كبيرة من التكاليف المالية المستقطعة من ميزانية وزارة الصحة، وعمل على تأصيل فكرة اعتماد المواطنين على الكادر الطبي الفلسطيني في حال توفر المستلزمات والخبرة الطبية لديه. وأشار إلى أن النقص الحاد في إمكانيات القطاعات الصحية الموجودة في قطاع غزة، ورفض وزارة الصحة في رام الله التنسيق مع وزارته وراء أسباب ارتفاع نسبة التحويلات الخارجية بالرغم من أن العديد منها غير مستوفاة الشروط، و"غير حقيقية". وفي سياق أخر وفي معرض رده على سؤال يتعلق بعدد المستشفيات والمراكز والكوادر الطبية ومدى سدها لحاجة لأعداد السكان الغزيين، أجاب وزير الصحة قائلاً إن أعداد الطواقم الطبية والمستشفيات الموجودة مقبولة بصورة كبيرة وفق مساحة القطاع، إلا أن ما يؤرق الوزارة يدور حول النقص في بعض التخصصات والخدمات الهامة. وأضاف :"للأسف هذا الملف كان مهمل حتى 2006، إلا أن اليوم هناك بعثات إلي الأردن حوالي 20 طبيباً وإلي مصر والسودان وإلي ماليزيا وفي تخصصات التي تطلبها الوزارة وبالإضافة إلي 180 طبيب ملتحق ببرنامج البورد لمعالجة هذا الخلل وليتم إيجاد طبيب قادر يساهم في خدمة المجتمع، وبسبب البدء المتأخر هذا الحل يحتاج إلي 5 أو 6 سنوات لبدء ظهور النتائج". تسد النقص وشدد نعيم وفي إطار رده على الحالة الصحية القائمة في قطاع غزة، أن وزارته تسعى وبشكل حثيث للنهوض بكافة المؤسسات الصحية بالرغم من العراقيل التي تواجها من نقص الكوادر الطبية والمنشئات العمرانية. وأوضح :"العشرات من الإنجازات التي قدمتها الوزارة للمواطن على مستوى الإنشاءات ومشاريع إنشاء المستشفيات والأقسام الجديدة، بالإضافة إلى مشاريع ذات العلاقة بالعمل والنظام الإداري ومشروع حوسبة الوزارة والتي تهدف لتسهيل السيطرة على الملف الصحي وتقدمه بأفضل صورة". وذكر أن وزارته وفي إطار جهودها لتطوير واستحداث المنشئات الصحية عكفت مؤخراً على تنفيذ عدداً من المشاريع الحيوية والتي تزيد تكلفتها عن 10مليون دولار، مشيراً إلى أن تلك المشاريع من شأنها أن تسد النقص في بعض الأقسام الهامة. وعد نعيم تخريج أربعون طبيباً بشهادة "البورد" في العديد من المجالات الهامة وغير الموجودة في المراكز الصحية الغزية، وحصول قطاع غزة على شهادة خلو من شلل الأطفال بأنها "أفضل دليل على مدى التطور الذي يواكب العملية الصحية".