بقلم / طلعت المفتي

على الرغم من أن مهنة الطب مهنة إنسانية بامتياز إلا أنها من المهن المعقدة والخطيرة حيث يترتب على الخطأ فيها من الكوارث ما يؤثر على حياة البشر وقد تؤدي تلك الأخطاء في بعض المرات إلى الوفاة .

ومع التطور الرهيب في العلم فقد ازدادت تلك الأخطاء بنسبة ملحوظة فأصبحت شبه يومية مما جعل منها مادة خصبة للحديث عبر وسائل الاعلام المختلفة في مشهد تراوح بين التهويل والتهوين  , كل ذلك جعل من موضوع الأخطاء الطبية مشكلة مجتمعية تحوز على اهتمام العديد من فئات المجتمع المختلفة  ولم تعد مشكلة مهنية محصورة ضمن كواردها الطبية لذا كان لزاماً ومن منطلق المصداقية وضع الأمور في سياقها الحقيقي والاهتمام بجميع أطراف المعادلة في المجال الطبي حيث حماية التطور والتقدم الطبي لخدمة الإنسان من جانب ، وحماية المريض من هذا التطور وبخاصة من الأخطاء الطبية في جانب آخر .

إزاء ذلك علينا ان ندرك جيدا أن منظومة العمل الصحي في غزة ليست بمعزل عن محيطها العربي والإقليمي والدولي , والناظر لمسألة الأخطاء الطبية في تلك الدول يدرك جيدا أن من يعمل يخطئ وأن مسألة الوقوع في خطأ طبي أمر وارد وهذا ما أكدته الكثير من التقرير ,  حيث أشارت بعض الدراسة الحديثة إلى أن أخطاء الطاقم الطبي هي السبب الرئيسي الثالث للوفيات في الولايات المتحدة الأميركية , وتطرقت ورقة علمية أخرى عام 2014 في أحدى الجامعات العربية في هذا الشأن إلى بعض الأرقام المتعلقة بالوفيات حيث ذكرت الورقة انه خلال العشر السنوات الماضية توفي قرابة الخمسة مليون شخص بسبب الأخطاء الطبية في أمريكا و أوروبا وكندا ونيوزلندا واستراليا بخسائر اقتصادية تقدر بـ ( 1) ترليون دولار .

وفي إحدى الدراسات الأمريكية التي أجريت في بداية التسعينات ، ونشرت في دورية (نيو انجلاند) الطبية في عام 1991، والتي شملت 30,000 حالة مرتبطة بالأخطاء الطبية والحوادث تبين بأن 14% منهم قد توفوا، وما نسبته 70% تضرروا من إعاقات صحية منهم 2.6% إعاقات دائمة، وحوالي 27% تضرروا بسبب الإهمال الطبي.

من جانبه أبدى د. ناصر أبو شعبان مدير عام تنمية القوى البشرية بوزارة الصحة اعتراضه على مصطلح ” خطأ طبي ” والذي يستخدمه كثير من الناس في اشارتهم لبعض السلوكيات الصادرة من مقدمي الخدمات الصحية , مشيرا إلى أن تلك الكلمة تحمل في طياتها إدانة واضحة مؤكدا ضرورة خضوع الأمر للجنة تحقيق وتقصي قبل اصدار الحكم بوجود خطأ طبي .

وعند سؤال د. ابو شعبان عن أسباب حدوث تلك الأخطاء , أشار بأن المنطق السليم لا يتفق ووجود نية مبيته من قبل فريق العمل الصحي بإحداث ضرر بالمريض , لافتا الانتباه إلى وجود عوامل قد تساهم في احداث تلك الأخطاء من قبيل نقص الكوادر العاملة , والمستهلكات الطبية وعدم حرص مقدم الخدمة الطبية على الارتقاء العلمي ومواكبة التطور العالمي في مجال العمل الصحي .

ونوه د. أبو شعبان إلى ضرورة التفريق بين الخطأ الطبي الناتج من تقصير أو أهمال مقدمة الخدمة الصحية وبين المضاعفات الناتجة عن المرض ذاته  أو بسبب استخدام وسيلة علاجية ما , ذلك أن المضاعفات قد تحدث مع أي مريض .

وعن الجهود التي تبذلها وزارة الصحة بهذا الشأن , أشار د. أبو شعبان بأن الوزارة حريصة جدا على الرقي بمستوى الخدمات المقدمة للمريض , يظهر ذلك جليا من خلال حجم الدورات العلمية لكافة مقدمي الخدمات الصحية  واستحداث برنامج البورد الفلسطيني للأطباء بالإضافة لابتعاث الكثير من الأطباء خارج البلاد للتخصص في مجالات متقدمة .

بدوره , أكد أ. سعيد البطة مدير عام الشئون القانونية بوزارة الصحة على تعاطي وزارة الصحة بكل جدية وحزم مع أي شكوى مقدمة , وأنها في سبيل إنصاف الحقيقة تقوم بتشكيل لجان متخصصة تضم فنيين متخصصين وقانونيين ومراقبين من خارج الوزارة من أجل الوصول للحقيقة , مشيرا أنه وفي العام 2015 قد عقدت 27 لجنة تحقيق توصلت لإدانة مقدمي الخدمة الصحية في خمسة حالات فقط .

وعن العقوبات بحق مرتكبي التجاوزات , أشار البطة بأن اللجنة عندما تنتهي من أعمالها تقوم برفع توصياتها بشأن العقوبة المستحقة وهي تتراوح ما بين لفت نظر إلى ايقاف عن العمل تبعا لحجم الخطأ المرتكب والمسئولية القانونية الواقعة بحق مرتكبه .

في السياق , ناشد البطة كافة المواطنين وعند الاشتباه بوجود تجاوز ما من أحد مقدمي الخدمات الصحية ضرورة التوجه إلى الجهات الرسمية في الوزارة لتقديم شكواه والابتعاد عن الاعتداء على المرافق الصحية وأطقم العمل الصحي لأن في ذلك تجاوز يعاقب عليه القانون , حيث أشار إلى وجود خدمة الرقم المباشر 103 والذي يستقبل شكاوى المواطنين على مدار الساعة ويعمل على ايجاد حلول مباشرة لهم بالإضافة إلى وجود دائرة الشكاوى بالوزارة وهي تتبع مباشرة لديوان الوزير وتقوم على استقبال شكاوى الناس والتعامل معها.

وعن وجود آلية ضابطة يسار إليها عند حدوث اشتباه بخطأ طبي , ينصف المريض ومقدم الخدمة الطبية , أشار أ. سعيد البطة أن جهودا بذلت في هذا السياق قبل سنوات من أجل الخروج بقانون المسائلة الطبية إلا أن المنتج النهائي لهذا القانون لم يرى النور حتى الآن بسبب ظروف عديدة على رأسها الإنقسام .