إن سلامة وأمان المرضى هي حجر الزاوية في الرعاية الصحية وفي جودة الخدمات الطبية, لذلك يفترض أن تكون المراكز الصحية على أعلى مستوى من الأمن والسلامة والصحة, ويشكل العامل الوقائي الجانب الأهم في توفير الرعاية للمرضى وتفادي انتقال الأمراض والأوبئة إلى الأصحاء من جهة والحفاظ على الوضع الصحي من جهة أخرى.

حيث تمثل المراكز الصحية أماكن لتجمع المرضى، والتي تسهل انتقال العدوى في حال عدم نظافتها، فيما أن الحفاظ على النظافة هي الطريق للوقاية من الأمراض وتفاقمها.

فالنظافة مطلب جوهري للعلاج, وتعكس النمط العام للمستشفيات، والوجه الحضاري والثقافي للمجتمع. الأمر الذي يطرح التساؤل حول ماهية الخدمات التي يجب توفرها في المشافي والمراكز الصحية للارتقاء بواقعها؟

نظام الخصخصة

دأبت وزارة الصحة في الحكومة الفلسطينية إلى خصخصة خدمة النظافة وإضافة التعديلات المناسبة لكل مناقصة جديدة، مما يستدعي وقفة عند هذا الملف والاطلاع على تفاصيله مع أ. رامي الكحلوت رئيس شعبة إعداد العقود ومتابعتها في دائرة المشتريات، الذي أوضح أن وزارة الصحة توجهت إلى إتباع نظام الخصخصة منذ عام 1997 في تقديم خدمة النظافة للوصول إلى أداء وخدمة أفضل، وتولى البنك الدولي عملية التمويل، وشارك في إعداد شروط المناقصة وتأهيل الشركات.

ويذكر انه لم يكن في قطاع غزة شركات مهنية متخصصة تقدم تلك الخدمة والتي فتحت الباب أمام شركات المقاولات العامة للتنافس في هذا المجال.

وأشار أ. الكحلوت أنّ أعمال النظافة في كل مستشفى يتم تقييمها عبر لجنة تشرف عليها وتتحقق من مدى التزامها ببنود المناقصة ثم يرفع التقرير الشهري للإدارة العامة للمستشفيات، ثمّ إلى دائرة المشتريات لعمل اللازم والمتابعة, مبيناً أنّه مع نهاية كل مناقصة يتم عقد اجتماع تحضيري مع الإدارة العامة للمستشفيات والرعاية الأولية والتفتيش والطب الوقائي والإدارة العامة للشؤون القانونية في وزارة الصحة لإعادة النظر في شروط المناقصة وتعديل اللازم.

وأوضح أن البنك الدولي لم يلتزم باستمرار عملية التمويل، لذلك يتم تمويل هذا الملف من الموازنة العامة بوزارة المالية.

ولجأت وزارة الصحة إلى تحسين أداء النظافة وتذليل العقبات بين الشركات والإداريين عبر عقد جلسات بينهما، إضافة لتقديم دائرة المشتريات ملاحظات تطويرية على تلك الخدمة عبر الزيارات الميدانية التي تقوم بها، لكن غياب الدور الرقابي ونقص الميزانية وعدم تخصص ومهنية شركات المقاولات كما في الدول المجاورة أثر سلباً على تقديم الخدمة.

وأوضح الكحلوت أنّ وزارة الصحة تعمل دوماً من أجل الارتقاء بالخدمات المقدمة للمشافي والمراكز الصحية وانعكاس ذلك على صحة المرضى وكفاءة ومهنية الخدمات الطبية المقدمة، وقد قامت الوزارة بداية العام الجاري بالتنسيق مع وزارة العمل بشأن عمال المشافي وتم إضافة شروط جديدة للمناقصة نصت على ما يلي:

1.رفع أجور العمال إلى الحد الأدنى وهو 700 شيكل بالتوافق مع وزارة العمل, على أن يتم إبرام عقود مع العمال من قبل الشركات معتمدة من وزارة العمل وتسلم لوزارة الصحة نسخة من هذه العقود, مع التزام الشركات بإجازات العمال ومكافئة نهاية الخدمة والإجازات المرضية على حساب الشركة, مع تحديد ساعات العمل لكل عامل حسب قانون العمل الفلسطيني.

2.لمندوب وزارة العمل الحق في متابعة شركات النظافة ومعاملة منسوبيها من العمال حسب قانون العمل الفلسطيني, على أن يتم رفع تقرير لوزارة الصحة ويتم اتخاذ الإجراءات اللازمة في حق الشركة من قبل وزارة العمل, حيث أنها الجهة المسئولة عن العمل والعمال.

3.ألا يقل التحصيل العلمي للعامل عن شهادة الصف السادس, وهذا المستوى العلمي للعمال تم اختياره بناءً على المقترح المقدم من وحدة تحسين والجودة. 

ومن الجدير بالذكر أنه تمت الموافقة من قبل مجلس الوزراء على رفع قيمة الحجز المالي من 5 إلى 7.5 ملايين شيكل, وهي الميزة التي مكنت وزارة الصحة ووزارة المالية ولأول مرة من عمل دراسة فنية ومالية للمناقصة وفق المعايير التي تحقق التوازن, واعتمدت معايير الدراسة المالية على حساب تكلفة أجور العاملين والتكلفة التقديرية لمواد النظافة مع تحقيق هامش ربح للشركات.

تشكيل لجنة مشتركة للدورات

 

من ناحيته أفاد أ. أشرف القدرة مدير دائرة الخدمات الفندقية بالوزارة بأنّ أعمال المتابعة والرقابة على خدمة النظافة تتم من قبل دائرتي المشتريات والخدمات الفندقية, والرقابة الداخلية, والمركز الصحي نفسه بالإضافة إلى وجود لجنة من قبل إدارة المستشفيات.

وأشار إلى أن دائرة الخدمات الفندقية تتابع أعمال النظافة من خلال الزيارات الميدانية للمراكز الصحية بما يعادل 13 زيارة في الفترة الصباحية و13 زيارة أخرى في الفترة المسائية خلال السنة, وتحرص على زيادة عدد الزيارات المسائية لأنها تعطي ملاحظات أكثر دقة نظراً لظروف العمل في الفترة المسائية. إلا أن تعدد المشاكل الميدانية وتشابكها والتي تتعلق بالعمال ومواد التنظيف استدعى من وزارة الصحة اتخاذ بعض الخطوات والإجراءات للارتقاء بمستوى خدمة النظافة, من خلال سعيها لتوثيق التعاون مع وزارة العمل من أجل خدمة العامل وعدم ابتزازه لكي تزيد كفاءته.

وأكد القدرة أنه سيتم تشكيل لجنة مشتركة من دائرتي الخدمات الفندقية والمشتريات, والرقابة الداخلية, ووحدة تحسين الجودة، ستخرج بمجموعة من التوصيات بخصوص الدورات المطلوبة للعاملين بشركات النظافة, والمشرفين داخل المستشفيات والتي تهدف للوصول بأداء العامل إلى مستوى “فني نظافة”, وسيكون هناك لجنة مركزية للمتابعة, بالإضافة إلى ذلك سيتم عقد دورات للمدراء الإداريين في المراكز الصحية بهدف تعزيز سمة النظافة كثقافة وسلوك.

وحرصاً من دائرة الخدمات الفندقية لتدعيم الارتقاء بمستوى النظافة, فهي تسعى منذ بداية العام الجاري للقيام بمشروع تجديد وتأهيل الحمامات وتجديد ستائر الغرف وصالات الانتظار, وستعمل على تطبيق نظام المرافقة والزوار طبقاً للمواصفات العالمية والذي يحدد من يحق له الزيارة ويحدد الحقوق والواجبات.

مواد النظافة تحت الرقابة

وبدوره، أوضح أ. موسى العماوي مدير وحدة تحسين الجودة بالوزارة أن مكافحة العدوى على رأس الأنشطة التي تقوم وحدته بها, عبر متابعة النظافة في المستشفيات, حيث يوجد داخل المستشفيات لجان لتحسين الجودة وأخرى لمكافحة العدوى، منوهاً أنّ العام الحالي سيكون لوحدة تحسين الجودة علاقة مباشرة بأعمال النظافة عبر القيام بدورها الرقابي على مواد النظافة المستخدمة في المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية والتي كان يقوم بها الإداري المختص في تلك المراكز.

وأضاف ” سيكون هناك مشرف تحسين جودة في كل مستشفى, يقوم بالتدريب الميداني والمشاركة في أعمال الرقابة على عمّال النظافة.

وذكر العيماوي أنّ وحدة تحسين الجودة شاركت في إعداد المناقصة للعام الحالي لأول مرة, ووضعت الشروط المتعلقة بمواد وأدوات التنظيف, وقدمت اقتراح بخصوص العمال من حيث المستوى العلمي وتم اعتماده.

تنسيق مع وزارة العمل

من ناحيته، تطرق أ.أشرف النواجحة مدير دائرة شروط العمل في وزارة العمل إلى مهام الوزارة الأساسية المتمثلة في الحرص على تطبيق أحكام ونصوص قانون العمل الفلسطيني رقم 7 لسنة 2000, والذي يعالج جزئيتين أساسيتين, ويتضمن الباب الخامس فيه الشروط التي تتعلق بساعات العمل والإجازات والعمل الإضافي… الخ, فيما يتضمن الفصل الرابع من الباب الخامس شروط السلامة والصحة البدنية. ويذكر أنه قد صدر عن هذا القانون عدد كبير من اللوائح التفسيرية والتي تم اعتمادها من قبل الوزير.

وأوضح أ. النواجحة  بأن الوزارة تراقب تطبيق هذا القانون عبر إرسال مندوب من وزارة العمل إلى المنشآت بواقع زيارتين خلال العام على الأقل, فيما تعطي الوزارة أهمية اكبر للمنشات الخطيرة, نظراً لان إصابات العمل تكون أكبر فيها, والوزارة لديها قاعدة بيانات لسوق العمل أنجزتها جراء المسح الشامل الذي قامت به لتلك المنشآت, كما طلبت وزارة العمل من أصحاب المنشآت تقديم إفادة شهرية عن العمال ووضعهم في العمل إلا أن الاستجابة من قبلهم كانت محدودة. وبالنسبة لشكاوي العاملين تم معالجة حوالي 70% منها ودياً, وخلال العام الجاري سيتم تفعيل باب العقوبات بعد منح فرص كافية لأصحاب العمل لتصحيح أوضاعهم القانونية. 

وفيما يتعلق بمشكلة عمال النظافة في المراكز الصحية فقد ظهرت حدتها المتمثلة في قلة الأجور منذ عام 2009, حيث كان اجر العامل 300 شيكل, ولم يكن هناك تنسيق كاف بين وزارتي الصحة والعمل نظراً لعدم وجود عقد بين الشركة والعامل مما أفقد وزارة العمل حقها الأصيل في المراقبة على العمال, إلا عندما تصاعدت حدة هذه المشكلة, أرسلت وزارة العمل 50 مفتشاً على المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية في تشرين أول عام 2009  للوقوف عن كثب على معضلات عمال النظافة, ومن ثم قامت وزارة العمل بعمل مشروع لدراسة وجدولة وضع عامل النظافة وتكلفته على صاحب العمل وما إلى ذلك, ثم تم رفع المشروع إلى مجلس الوزراء, إلا أنه لم يكن هناك وقت كاف لاتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين وضع عمال النظافة خلال العام 2010, لذلك ستأخذ هذه الإجراءات مجراها خلال العام الحالي, وحالياً هناك تنسيق بين وزارتي العمل والصحة لإيجاد آلية تضمن وصول الأجر بالكامل للعامل دون المساس بحقه. 

شركات النظافة

بدوره أوضح معين حمدونة  مدير شركة معين حمدونة للتجارة والمقاولات العامة، بأنه استلم أعمال النظافة في المراكز الصحية منذ عامين, ولم يكن في السنوات السابقة تحديد لأجر العامل, ومعظم العمال الذين يقبلون على العمل بالنظافة تحصيلهم العلمي متدني, مؤكداً أن الشركة تراعي وضع العامل الذي يجيد القراءة والكتابة في الأماكن الحساسة, وتزود المشرفين العامين ومدراء المواقع التابعين للشركة بالتعليمات والإرشادات التي تحددها الوزارة في الجلسة التحضيرية لتعميمها على العاملين.

ويرى حمدونة أنّ عامل النظافة بإمكانهم القيام بمهمته بكفاءة عالية إذا تموضع في المكان المناسب له, مثل الساحات والحمامات, فخبرة العامل تؤهله للقيام بأعمال النظافة أكثر من التحصيل العلمي, مشيراً أنّ شركات النظافة دائماً ما تتعرض لهجوم على مستوى الخدمة التي تقدمها.

وأشار إلى

وأضاف: ” لأول مرة يتم تحديد أجر للعامل, وهذا سينعكس بشكل ايجابي على أداء العاملين, منوهاً أنّ تدني الأجر يتسبب في إحباط العامل الذي لا يجد له بديل عن هذا العمل, معبراّ عن رضاه التام لمستوى وأداء العاملين “.