اثر اجراء 132 عمليةزراعة للقرنيات ..
الصحة: ثورة زراعة القرنيات في قطاع غزة تضمد جروح الكثيرين وتبعث الأمل في نفوس آخرين
وزارة الصحة/ ياسمين السلفيتي
“لن أتحدث عن كمية البهجة التي أحسستها عند لقائي بها فعيناها الباسمتان اللتان تشعان مزيجا من الراحة، والامتنان انعطفتا بي نحو شعور أعمق لتخبراني من أول وهلة عن ذلك النور الذي أحال عتمة حياتها ضياء، ومعاناتها هدوءا وسكينة، لم يكن ذلك فحسب؛ إنما دعاء الحاجة أم محمود الذي مازال صداه يرن في أذني والذي يحمل الكثير من رسائل الشكر، والعرفان لكل من كان سببا في تبديد ظلامٍ طالما أرهق أختها “جواهر أبو شرخ” جعلني أوقن بأن تلك الإنفراجة التي باتت بصمة واضحة، وفارقة في جراحة زراعة القرنيات هي ذاتها النور الذي غيّر حياة العشرات من مرضى القرنية في قطاع غزة”.
خلف ذلك النور قصة أقل ما يمكن القول عنها أنها قصة نجاح بامتياز بات من الضروري الغوص في تفاصيلها.
“كانت البداية عندما تبنت وزارة الصحة وإدارة مستشفى العيون والمختصين بهذا الشأن فكرة مفادها ضرورة العمل جديا من أجل إقرار قانون يسمح بأخذ القرنيات السليمة من المتوفين حديثا، وزراعتها لمرضى قرنية بحاجة لها “.
خضنا مداولات حثيثة مع المجلس التشريعي استمرت من العام 2009 حتى 2012 وهو العام الذي صدر فيه القانون” قال الدكتور حسام داوود استشاري أول زراعة القرنية.
لكن القانون وحده ليس كافيا “نحن بحاجة لافتتاح بنك العيون، وتوفير المادة الحافظة للقرنيات، والأهم من ذلك كله جلب القرنيات” تابع الدكتور داوود موضحا أساسيات لابد من وجودها لنضوج البرنامج.
عشر سنوات مرت منذ إقرار القانون لم ينفذ خلالها سوى عملية زراعة واحدة لقرنية بتبرع محلي في العام 2014.
يتابع:” لقد بدا الأمر معقدا أمام الكثير من العوائق، والتحديات التي أثقلت كاهل وزارة الصحة بسبب الحصار، ونقص الإمكانات، وتتابُع الحروب، بالإضافة إلى العائق الأكبر وهو افتقار أهالي القطاع لثقافة التبرع بالقرنيات”.
ويقول:” بالرغم من جميع الصعوبات السالف ذكرها إلا أن إصرار إدارة مستشفى العيون على إتمام المشروع جعل ملف القرنيات حاضرا وبقوة على طاولة الوزارة.
ويستطرد حديثه قائلا:” ظل الوضع بين جزر ومد حتى جاء يوم الثالث والعشرين من اغسطس لعام 2022 الذي أطلقت فيه وزارة الصحة البرنامج الوطني لزراعة القرنيات، والذي ساهم في تعزيز ثقافة التبرع بالأعضاء بين أواصر المجتمع الغزي من خلال حملة ومن أحياها”.
ويؤكد د. داوود على الجهود المثمرة التي كانت بداية نجاحات متتالية في عالم جراحة القرنيات شكلت سابقة تحسب لصالح مستشفى العيون “عام واحد منذ انطلاق الحملة أجرينا خلاله
(132) عملية زراعة بمعدل 12 عملية شهريا عدد هائل لا يُضاهى حتى على مستوى العالم المتقدم” ذكر دكتور حسام داوود ذلك وقد بدت عليه ملامح الفخر.
الضوء يتفوق في سرعة وصوله، وكذا الأهداف النبيلة، فقد استطاع ذلك المشروع النبيل إعادة الأمل لعشرات المرضى بعد تمكن اليأس منهم في ظل ضيق الحال، وصعوبة الحصول على التحويلات، وغلاء القرنيات المستوردة.
ها هو الشاب “منصور جبرين” ذو الأربع والعشرين عاما كاد ان يفقد شغفه في الحياة ” واجهتني حياة صعبة؛ لم أستطع الحصول على عمل، أو ممارسة هواياتي لعشر سنوات” يتحدث بصوت تقطعه التنهيدات وتخنقه العبرات، واستأنف “بعد العملية بدأت حياتي الطبيعية بالعودة، أستطيع العمل والخروج في اي وقت، والأهم من ذلك أنني لم أعد أسمع ضحكات الاستهزاء، والسخرية” قال ذلك بنبرة ممتزجة بالراحة والأمل.
أما نيرمين عودة شابة تبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاما متزوجة ولديها أطفال” قبل العملية أرهقني الألم، لم أستطع العناية بأطفالي جيدا، كاد أن يتملكني اليأس لولا لطف الله، أما بعد العملية الحمد لله انا أفضل كثيرا، وأموري جيدة.”
ما سبق من شواهد إنما هي دليل واضح على نجاح البرنامج فضلا عن حجم الراحة والطمأنينة الذي سببها المشروع لذوي الأموات المتبرعين بقرنياتهم.
كنت بجوار السكرتيرة عندما أطلت علينا شابة في أواخر العشرينات من العمر كانت مبتسمة وتبدو عليها مشاعر اللهفة تحمل بين يديها طفل ولديها غيره ستة أكبرهم في عمر 10 سنوات فقدت زوجها الذي لم يتجاوز ثلاثة وثلاثين عاما قبل بضعة أشهر تم التبرع بقرنيتيه لاثنين من المرضى، كل ما طَلَبَتْه وقتها أرقام هواتف الأشخاص المتبرع لهم (بدي أطمن قلبي) قالت ذلك بإلحاح، ثم أخذت ما طلبت وغادرت المكان مستبشرة داعية لنا بكل خير وكأن زوجها قد عاد لها.
شعور الراحة الذي شعرت به تلك الشابة لأن جزءا من زوجها مازال فوق الأرض دليل آخر على أن مشروع زراعة القرنيات قد آتى أُكُلَه.
ختاما وبعد كل ما سبق نستطيع القول إنه لا علاقة للنجاح بما تكسبه لنفسك بل هو ما تفعله للآخرين.