الصحة: “زراعة القرنيات ” النور الذي بدد ظلام الحصار
وزارة الصحة/
هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها وجه أطفاله بوضوح، لن يتحسس ملامحهم ليتعرف عليهم، ولن يحتاج لكفوفهم الصغيرة لتقوده نحو الطريق الذي يريده ولا يراه، فقد عاد بصره له بعد ثلاثين عاماً من المعاناة، وذلك بعد أن حالفه الحظ بزراعة قرنية لإحدى حبيبتيه عن طريق البرنامج الوطني لزراعة القرنيات والذي أطلقته وزارة الصحة الفلسطينية بقطاع غزة في شهر أغسطس 2022.
“انولدت من جديد “
بلهفة، يُقلب نظره بين الوجوه التي تحيط به ويبتسم، ويفر الدمع فرحاً من بين جفنيه، وهو يقول بصوت منسوج بالسعادة “أنا انولدت من جديد، أنا عرفت شو يعني حياة، ولا شيء كنت من دون نظر”.
المواطن حسن الأعرج 33 عاماً، أب لثلاثة أطفال، عانى على مدار السنوات السابقة من ألم شديد وضعف بالنظر ومحدودية الرؤية، تابع في العديد من المستشفيات والعيادات الصحية إلى أن تم إجراء عملية زراعة قرنية له في مستشفى العيون التخصصي بمدينة غزة.
وأعرب الأعرج عن جزيل شكره لأهل المتوفى الذين منحوه فرصة لممارسة حياته بشكل طبيعي بعد تبرعهم له، ولكل القائمين على برنامج زراعة القرنيات.
أمل كبير
ترك كتب الثانوية العامة على مكتبه، وبأمل كبير دخل إلى غرفة العمليات ليجري عملية زراعة القرنية الأولى في عينه اليمنى، وبعد رفع غطاء العين عاد الشاب العشريني “هشام خطاب” لكتبه حيث تركها، ولكن هذه المرة لن ينتظر أحد ليقرأ له بل سيقرأ بنفسه، ويرى الحروف جلية أمامه لأول مرة منذ ولادته.
الطالب “خطاب” استطاع بعد عمليته الأولى إحراز النجاح في امتحانات الثانوية العامة بمعدل 77 %، ليلتحق بمقاعد الدراسة الجامعية بكل إصرار وعزيمة على التميز، مؤكداً أنه لم يكن يحلم بذلك قبل أن يحظى بفرصة زراعة القرنية.
وكان خطاب قد خضع لعملية زراعة قرنية لعينه الثانية بعد عام من إجراء الأولى، مما فتح الباب أمامه ليعمل بمجال الزراعة لتحصيل مصروفه اليومي إلى جانب استكمال دراسته بمرحلة البكالوريوس .
وعلّق قائلاً وهو ينظر لخاتم الخطوبة في يده:” شكرا كثير للناس اللي تبرعت بالقرنية لي، خدموني خدمة لعمري كله، منحوني حياة جديدة مليئة بالأمل والسعادة.”
” ومن أحياها “
أما شعار ومن أحياها فقد كان له قصة إصرار وعزيمة يرويها الطاقم الطبي، فمن جانبه أكد د. أسامة أبو الوفا، عضو لجنة تقييم القرنيات ورئيس قسم العيون بالمستشفى الأوروبي، أنه ومنذ شهر أغسطس 2022 تم إجراء 134 عملية زراعة قرنية لأبناء قطاع غزة، ولولا جهود الوزارة وإدارة مستشفى العيون ممثلة بمديرها د.ماجد حمادة والزملاء القائمين على هذا البرنامج الوطني لم يكن لهذا الانجاز أن يبصر النور.
وأضاف:” قبل عام من الآن أطلقت وزارة الصحة البرنامج الوطني لزراعة القرنيات تحت عنوان ( ومن أحياها ) ليفتح من خلاله باب التبرع بالقرنيات أمام المواطنين من كافة مناطق القطاع .”
وأوضح د. أبو الوفا أن اختيار الحالات يكون عن طريق لجنة تقوم بفرز الحالات وتقييمها وفقاً لحاجتها للعملية، مشيراً إلى أن العمليات التي أجريت كانت جميعها ناجحة واستهدفت فئات عمرية مختلفة.
ونوّه أبو الوفا إلى أن زراعة القرنيات تتم لأول مرة بتبرع ذاتي دون الانتظار المطول لاستيراد القرنيات من دول الخارج، مضيفاً: “بفضل هذا البرنامج لا ينتظر المريض سوى بضعة أشهر لإجراء العملية بعد أن كان الأمر يستغرق أربع سنوات أو أكثر.”
وأشار إلى أن وبحسب وزارة الصحة فإن قطاع غزة يحتاج سنويًّا لنحو 250 عملية زراعة قرنية، وأن إقبال المواطنين على التبرع سجل نسبة عالية وهذا دليل على أن شعبنا شعب معطاء ويحب الخير ويبادر لتقديمه في كل الأوقات والظروف، وذلك بعد أن أصدرت لجنة الإفتاء بالمجلس التشريعي ووزارة الأوقاف بجواز التبرع بالقرنيات وأخذها من المتوفى سواء تبرع بها قبل وفاته أو تبرع بها ذويه من الدرجة الأولى، وذلك على قاعدة الصدقة الجارية ضمن شروط وضوابط إدارية وفنيه وطبية.
وأعرب د. أبو الوفا عن أمله باستمرارية البرنامج خاصة وأنه يخدم بالغالب فئة الشباب الذين هم ذخرا للوطن، موجهاً شكره لجميع طواقم الوزارة ولكل القائمين على البرنامج.
معايير خاصة
بدوره تطرّق د. حسام داوود للمدير الطبي لمستشفى العيون، استشاري أول طب وجراحة العيون، وأخصائي أمراض القرنية وزراعتها). إلى شرح طبيعة القرنية معرفاً إياها بأنها نسيج شفاف يوجد في مقدمة كرة العين، وتسمح للضوء بالمرور إلى داخل العين، مبيناً أنه إذا تعرض الجزء الشفاف للتلف، أو العتامة نتيجة لمرض، أو ضربة مباشرة فإنه يفقد شفافيته، وتتجمع السوائل فيه وبالتالي تنعدم الرؤية ويلزم استبداله عن طريق زراعة قرنية أخرى سليمة.
وفيما يتعلق بإجراءات عمليات الزراعة قال د. داوود: ” وفق معايير خاصة يتم فحص قرنية المتوفى فإن كانت سليمة تؤخذ بطريقة معينة وتثبت مكان القرنية المعطوبة بواسطة غرز من نوع خاص وهي عبارة عن خيوط ذات سمك قليل جدا لا يتجاوز ربع سمك الشعرة”.
ونوّه د. داوود إلى ضرورة التزام المريض بيته بعد إجراء العملية، والراحة المطلقة، وعدم إجهاد نفسه مدة شهر كامل، وإذا مر الشهر الأول بسلام فهذا يعني أن جسم المريض قد تقبل القرنية بنسبة 80%.
وأشار إلى أنه قد يتم رفض القرنية بعد 10 سنوات أو أكثر في بعض الحالات لذلك يحبذ اللجوء إلى زراعة القرنية كحل أخير إذا وجد علاج آخر مثل زراعة الحلقات في حالة القرنية المخروطية او تركيب عدسات لاصقة.
يذكر أن نجاح أول عملية زراعة قرنية كان عام 1931م وتم أخذها من شخص متوفى على يد العالم الروسي فلاديمير فيلاتوف.