الصحة: مرضى السرطان بغزة يعشقون الحياة ويتشبثون بها فلا تجعلوهم جنازات مؤجلة مع استمرار نقص الدواء

الصحة/ نهى مسلم

في كل مرةٍ أتوجه فيها لمستشفى الصداقة التركي وأتجول بين غرف المرضى ينتابني “صدقاً” شعور الفقد والخوف من أن يفقد فعلاً أحد من المرضى حياته أمامي دون سابق إنذار، خاصة وأن هذا السرطان قد تغول في أجساد بعض هؤلاء، جراء نقص الدواء وعدم توفره بانتظام، الأمر الذي أدى إلى استيطان هذا المرض وضعف مواجهته.

حقيقةً، قد ترى أجساد منهكة لا تقوى على الحديث وقد تملك منها السرطان الخبيث وأضعف بعض من حواسهم، وهذا ما حصل مع المريضة “فايقة” والمصابة بسرطان في القولون والتي تمكنت بصعوبة أن تلوح بيدها لنا كنوعٍ من الترحاب وابتسامة عريضة تشفق بها على حالها، وسرعان ما اختفت تلك الابتسامة لتغمض عينيها وتغرق في النوم من شدة المعاناة وألم المرض ومضاعفاته.

في هذا المشهد المأساوي حقاً اكتفت إحدى قريباتها ببعض الحديث معنا لتعبر عن حالة الاستياء جراء نقص الدواء الذي حال دون شفائها ووصولها إلى هذه الحالة التي رأيناها عليها، وتناجي الله أن يخلصها من تلك العذابات اليومية التي جعلتها طريحة الفراش لا تقوى على الحركة.

وفى غرفة أخرى، ترى جسداً نحيلاً ملقى على السرير حيث جهاز التنفس الصناعي الذي يغطى تجاعيد وجه المسنة” الأخرس” وتسارع أنفاسها صعودا وهبوطا كأنها تسابق الزمن لتلتقط بعض من أنفاسها التي تحاول التشبث بها لتمد في أيام عمرها التي لا زالت تحلم أن تعيشها.

توجهنا لمرافقة المريضة “الأخرس” وهي تجهش بكاءا جراء معرفتها للتو نتيجة الفحوصات حيث انتشر الورم السرطاني على الدماغ جراء عدم انتظام تلقيها لجرعات الأدوية بانتظام ونقص بعضها، لتطلب منا مرافقتها أن ندعو لها بالرحمة مع استمرار عذاباتها لقرابة العشرين عاما جراء إصابتها بورم آخر في الثدي أدى إلى استئصاله.

ولم يكن حال المسنة “حمدية” بأفضل من سابقتها التي هي أيضا مصابة بسرطان في الدماغ، وذلك بعد إصابتها قبل ذلك بسرطان في الكلية وأدى الى استئصالها، ومع تلك المعاناة المركبة تحاول التقاط أنفاسها مع كل لقيمة طعام تحاول إحدى قريباتها اطعامها كالطفل الصغير، حيث عدم قدرتها على الحركة مع اشتداد ذروة المرض ومضاعفاته التي تزداد يوما بعد يوم، وحال لسانها يلهج بالدعاء الى الله أن يشفيها من تلك العذابات أملاً بالحياة.

ويعاني مرضى السرطان في قطاع غزة من واقعٍ صعبٍ ومؤلم بسبب نقص الدواء والمستلزمات الطبية اللازمة لعلاجهم، حيث يعتبر السرطان من الأمراض المزمنة التي تتطلب علاجاً مستمراً ومكلفاً، ولكن بسبب الحصار المفروض على قطاع غزة منذ عدة سنوات، فإن المرضى يواجهون صعوبة كبيرة في الحصول على العلاج اللازم، وكذلك صعوبة التحويل الى الخارج كما أن تأخير سفرهم ينقص من عداد حياتهم، والكارثة الأكبر عدم توفر العلاج الإشعاعي فى قطاع غزة.

إن معاناة مرضى السرطان في قطاع غزة تستدعي الاهتمام والدعم والتضامن من المجتمع الدولي، والحكومات والمنظمات الإنسانية، للمساعدة في تحسين الوضع الصحي والاجتماعي لمرضى السرطان الذين يواجهون هذا التحدي الكبير والمؤلم كأنهم يصارعون الموت.