المسؤولية الطبية
الإدارة العامة للشؤون القانونية
لقد مثلت المسؤولية الطبية وأخطاء الطواقم الطبية مواضيع لازمت ممارسة الطب منذ قديم الأزمنة ووضعت التشريعات والنصوص المنظمة لتلك المسؤولية منذ القرن السابع عشر قبل الميلاد ببلاد الرافدين أي العراق حالياً عند ما كان يحكمها حمورابي.
أما الحضارة العربية والاسلامية فقد اهتمت أيضاً بهذا الموضوع ووضع الفقهاء ضوابط وقوانين لممارسة الطب واعتمدوا على الحديث النبوي الشريف القائل “إن من تطبب ولم يعلم منه الطب قبل ذلك فهو ضامن ” وبناءً على هذا الحديث حدد الاطباء العرب القدامى شروط قيام المسؤولية وانتفاءها في حالة وقع خطأ طبي .
واذا كانت مهنة الطب في عصرنا تحددها وتضبطها نصوص قانونية إلا أن أخلاقيات المهنة تبقى هي الناظم الأساسي لهذه القوانين.
كما أن الأخطاء الطبية كونها مرتبطة بطبيعة مهنة الطب وبالطبيعة البشرية فإنها بالتالي ظاهرة عالمية لا يمكن أن تخلو منها دولة من دول العالم وهي موجودة في أرقى المؤسسات الصحية التي تحتوي على التجهيزات الطبية العالية الجودة وفيها مهارات صحية ذات كفاءة وذات تدريب وتأهيل عاليين.
واذا كان الاستنتاج الذي يقفز إلى الذهن من حجم الأخطاء الطبية في الولايات المتحدة الأمريكية هو أن الأخطاء الطبية تحصل ولا بد أن تحصل حتى في أكثر دول العالم تقدماً على صعيد العلم والطب إلا أن أهم تلك الاستناجات هو أن أول الخطوات نحو تقليص هذه الأخطاء إنما تبدأ بالاعتراف بحدوث هذه الأخطاء وليس بإنكارها وتجاهلها تحت أي ذريعة وبالتالي توثيقها وتحليل أسبابها وصولاً إلى وضع السياسات والضوابط والاجراءات التي من شأنها تقليص إمكانية وقوعها إلى أدنى حد ممكن، إذ لا بد من الإدراك بأنه لا يمكن أن يصل هذا التقليص إلى (100%) طالما أن هناك عنصراً بشرياً لا يمكن أن يكون معصوماً من الخطأ.
فالطبيب لا يرتكب اي خطأ فني إذا باشر علاج المريض وفق القواعد العلمية الثابتة لمهنة الطب حتى وان أصيب المريض بضرر، لكن يتحمل الطبيب مسؤولية خطئه الفني اذا أثبت المريض أنه خالف القواعد العلمية الثابتة لمهنة الطب أثناء أي مرحلة من مراحل العلاج.
فالخطأ الطبي هو مخالفة الطبيب لقواعد فن الطب أثناء تدخله لعلاج المريض وهو بهذا يقييم المسؤولية الطبية بشقيها المدني والجزائي، فمفهوم الخطأ الطبي هو الخطأ التقصيري ويعني كل خطأ طبي سبب ضرر للغير ويلزم فاعله بالتعويض فالأصل أن التزام الطبيب هو التزام ببذل جهد وليس التزام بتحقيق نتيجة وهذا الجهد هو بذل العناية الصادقة من أجل شفاء المريض فالعلاقة التي تنشأ بين الطبيب والمريض علاقة توجب في طبيعتها التزام الطبيب ببذل جهد في علاج المريض بعد الحصول على اذنه وموافقته.
فأركان المسؤولية الطبية عن الاخطاء الطبية هي الخطأ أو الإهمال وحدوث ضرر وعلاقة سببية بين الخطأ والضرر.
كذلك من المهم أن نفرق ما بين الخطأ أو الإهمال التي تستوجب المسائلة وما بين المضاعفات المعروفة والتي قد تحدث على أن العلاج أو العمليات الجراحية والتي لا تستوجب أي مسائلة لأنها واردة علمياً ولا يوجد قانون خاص بالأخطاء الطبية في فلسطين وإنما يطبق على الأخطاء الطبية قانون الأحكام العامة المنصوص عليها في القوانين النافذة ولا سيما الأحكام القانونية الواردة في المسئولية الجزائية في حال الاهمال والتقصير وكذلك الاحكام المتعلقة بالمسؤولية الطبية المدنية التقصيرية في قانون المخالفات المدنية لعام 1944 .
وبناءً على ما ذكر فلا بد من الاستفادة من تجارب بعض الدول العربية التي قامت بإقرار بعض القوانين الخاصة بالمسؤولية المدنية بشأن الخطأ والاهمال الطبي وذلك لتوفير الحماية للطواقم الطبية أثناء عملها وكذلك توفير الضمانة للمريض.