توغل سرطاني ينهش جسد الثلاثيني”محمد” دون سابق إنذار ونقص الدواء يقف عائقا للحد من انتشاره

 

وزارة الصحة/نهى مسلم

عندما تتحول فجأة من انسانٍ صلب وفاعل في المجتمع الى عاجزٍ لا يقوى على الحركة بفعل سرطان خبيث قد استوطن فيه وتغول دون سابق إنذار أفقده من وزنه أكثر من عشرين كيلو غرام خلال عامين، وها هو قد أصبح ينتظر قدره أمام صعوبة إيقاف ذلك الانتشار السريع بفعل نقص الدواء، هذا حال الثلاثينى محمد الذي أجهش بالبكاء بمجرد أن سألناه عن رحلته مع المرض وكأن شريط الذكريات مر أمام عينيه كما قال.

 

 رحلة المرض

 

صدقاً، ودون سابق إنذار ما وجدت الا وقد اغرورقت عيناي أمام هذا المشهد المبكي حقاً، وانا أتمتم في سري أن ينشله من هذا المرض بمعجزة ربانية، وعلى خجل واستحياء من ذلك تمكنت من إيقاف هذا الشلال من الدموع التي غسلت وجهه المصفر لنبدأ الحديث الذى طال لنحو ساعة ونصف ليقول ذلك الشاب النحيل:” قبل عامين كنت أعاني من آلام في المعدة واستفراغ طيلة اليوم، حيث توجهت للمستشفى لتشخص في البداية أنها قرحة، ومن ثم توجهت لأكثر من مستشفى في جمهورية مصر العربية وهناك تم تشخيصي بمرض نادر اسمه(كرنز) وهو نوع من أنواع السرطان يصيب الاثنا عشر ويمتد الى الأمعاء”، حسب قوله.

 

ويضيف:” عدت الى قطاع غزة ليتم تحويلي الى مستشفى بالداخل المحتل لإجراء عملية تسمى(وِبِل) كما قال لي أحد الأطباء في مستشفى بغزة بعد اجرائهم للصور المقطعية وأخذ خزعة من الاثنا عشر التي بينت وجود سرطان في الاثنا عشر والبنكرياس وجزء من المعدة”.

 

ويتابع حديثه بعد تنهيدة طويلة:” أجريت العملية في ذلك المستشفى بالداخل المحتل حيث تم فتح البطن  90سم واستئصال الاثنا عشر كاملا، ونصف المعدة ونصف البنكرياس والأمعاء والقناة المرارية وجزء من الكبد حيث استمرت العملية قرابة17 ساعة مكثت على أثرها في العناية المركزة خمسة أيام، حيث خلفت تلك العملية مضاعفات ونزيف في الوصلات بعد استئصال أعضاء من البطن احتجت بعدها لتغيير الوصلات جراء النزيف حيث اجراء عملية أخرى استمرت نحو 12 ساعة، لم أتمكن بعدها من القدرة على المشي والحركة جراء احتباس السوائل ومكثت حوالى 21 يوم في العناية المكثفة لسحب السوائل، كما عانيت من علب التخريج التي جعلتنى أمكُث 50 يوما أخرى في المستشفى حتى أزالوها، وتبقي معي “بربيش” على الصدر غادرت به الى قطاع غزة”.

 

ويتابع: ” بعد مسلسل العذاب الذي امتد لأشهر احتجت للسفر للعلاج بالخارج مرة أخرى لإزالة “البربيش” لأبدأ بجرعات الكيماوي، إلا أن التحويلة تأخرت لشهرين آخرين الى أن جاءت الموافقة وسافرت ورفعت “البربيش” لأدخل في معاناة أخرى من عدم انتظام جرعات الكيماوي جراء عدم توفرها في قطاع غزة”.

 

ويضيف وقد أنهكه الحديث وبدأ يدخل وكأنه في حالة أشبه بالنوم:” بدأت في صراع مع المرض وأنا أشاهد حياتي تتدهور شيئا فشيئا جراء عدم توفر الجرعات وتارة أخرى تغيير نوع الكيماوي عن سابقه لا أعلم لماذا .. لربما عدم توفر أحد أصنافها لكنى مررت بجولة من ذلك الصراع ما بين عدم انتظام الجرعات ونقص بعضها وتغيير أصنافاً أخرى، والآن عدم توفر العلاج على الإطلاق وأعيش على المسكنات ربما تخفف آلاما حادة أشبه بوخزات دبوسية في بطني وظهري بين الحين والآخر، إلى جانب فقد الشهية للطعام حتى انخفض وزني الى 48 كجم بعدما كان75  كجم، وها أنا لا أقوى على الحركة ولا أعلم هل استقر الورم أم تفشى، لا أعلم ما في داخلي لكنه صراع بين الحياة والموت”، يصف محمد حالته.

 

 أنت “جمل” يا محمد

 

يقول محمد وقد استعاد بعض من قواه بعد حديث مرهق كان يبتلع بين ثناياه رشفات من الماء:” الجميع يراني “جمل” كونى “جبل المحامل” كما هو متعارف عنى بين الأهل والسند للأب والأم والأخت والأخ والزوجة والأبناء ولكل من يحتاجني، ليتنهد.. لكن “الجمل” قد ضعف وخارت قواه ولم يعد ذلك الجمل مع كل وخزة تطعن وتحرق في بطني بين لحظة وأخرى لا يطفؤها الا بعضاً من المسكنات والتي تعاود مرة أخرى مع انتهاء مفعوله، وهذا مسلسل حياتي الآن مع انقطاع السبل للشفاء وعدم توفر الدواء.

 

لا أعلم كيف سأخفف عن “محمد” ما تبقى في الحديث من مشهد الألم بعدما نفذ رصيد كلماتي التي تدفعه معنوياً وكان يجب عليّ أن أتمالك في تلك الجلسة أو ما أسميها بالمعايشة، ريثما يقوى “محمد” على استكمال سرد معاناته دون أن يجهش بالبكاء مرة أخرى عند كل مفصل من مفاصل ضعفه.

 

“محمد” بعد ما كان الداعم المادي والمعنوي والعاطفي أصبح يحتاج الى كل هؤلاء أصبح عاجزا أمام أسرته وأطفاله، “محمد” يحتاج الآن الى الدعم الدوائي والمادي والمعنوي ليلملم بعض من أشيائه التي تبعثرت مع انتشار السرطان في جسمه وهو ينتظر قدره.

 

 محمد ينتظر تحويله للخارج

 

“محمد” الآن على سرير الرعاية الصحية في مستشفى الصداقة التركي ينتظر تحويلة للخارج ريثما تخفف من حدة الانتشار السرطاني فيما تبقى من أعضائه بعد استئصال بعضها، أملا أن يعيش ما تبقى من عمره مع أطفاله الستة الذين هم أيضا بحاجة إلى العلاج كون ثلاثة منهم يحتاجون إلى أدوية ومتابعات طبية نتيجة إصابتهم بشحنات كهربية زائدة وأمراض في القلب كما يقول.

 

“محمد” موظفٌ حكومي استقال من وظيفته ليحصل على بعضٍ من مستحقاته بعدما انقطعت به السبل لتوفير احتياجاته المادية للسفر للعلاج والحصول على الدواء وقليل منها لإعالة أطفاله وأسرته كونه المعيل الوحيد لهم، والآن” محمد” استنفذ كافة السبل ويناشد من يسمع صوته بضميره الحي بأن ينظر إلى حالته ويسعى للإسراع في تحويله ربما تنقذ ما تبقى من الأجزاء السليمة ليعود إلى أطفاله أصغرهم رضيعا لم يتجاوز الثلاثة أشهر والذين يتذوقون مرارة الفقد والحرمان.