بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: ” إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ

     الحمد لله رب العالمين، حبب الإيمان لأوليائه فاستجابوا لأمره، وانتهوا عن نهيه، والصلاة والسلام على معلم البشرية، ومخرجهم بإذن ربه من الظلمات إلى النور، فشرح الله به الصدور، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

     أخي الفاضل: إن الله خلق كل شيءٍ فقدره تقديرًا، واختص بحكمته وعلمه الذي وسع كل شيء أزماناً وأمكنةً بمزيد من الفضل والشرف، ومن ذلك شهر رمضان، الذي هو فرصة للمتسابقين، ومنحة للراغبين في نيل الدرجات العليا عند الله تعالى.

     ولا شك بأن شهر رمضان من أعظم القرب، والأركان، وله من المزايا والهبات ما يعجز البيان عن ذكره، ويَكَلُ القلم عن عده، وفي هذه العجالة لن يكون الحديث عن فضله وشرفه، ففضله معلوم، وشرفه مشهور، ولن يكون عن أحكامه وفقهه، ولا عن سننه وآدابه، بل سيكون الحديث عن درس عظيم من حِكَمِهِ وهو بعنوان:( رمضان … فرصة للتغيير ).

     أخي الكريم: إن الإنسان المتميز، والجاد في حياته يحرص على التطوير والتغيير، ولا يقف عند حد، بل يسعى لتحقيق التقدم والرقي في حياته، وتحسين مستواه الديني والدنيوي، وليس الحديث عن هؤلاء؛ لأنهم قد عرفوا الطريق، وفهموا كيف يسيروا فيه، لكن الحديث عن أناس قد أثقلتهم الآثام، وكبلتهم الغفلة، وقيدتهم النفس الأمارة بالسوء، وتفنن الشيطان في إغوائهم، فلازالوا للهوى متبعين، وللذة طالبين، وعن الصواب معرضين، وعن الحق ناكصين.

     ومع ذلك فهم يتمنون اللحاق بالسابقين، وإدراك الجادين، لكن بُعْدُ الشُّقَةِ جعلهم يكسلون، ويتقاعسون، وما علم الذكي الألمعي منهم، والحريص على التغيير أن في شهر الصيام والقيام فرصة للتغيير، وإن أصناف الناس الطالبين للتغيير كثير:

فمنهم من يتمنى أن يحافظ على الصلاة فرضاً، ونفلاً، لكن ما يزال شيطانه يوسوس له، ونفسه تتثاقل عن الطاعة… ومنهم من يتمنى حفظ القرآن الكريم وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، لكن قلة الحرص وضعف الهمة، وبرود العزيمة كان حاجزاً له من نيل هذه المنة الربانية، والمنحة الزكية، ومنهم من يبحث عن التوبة والإنابة، ويحدث نفسه بترك الحرام من النظر والوقوع في الآثام، ويقضي العمر وهو يبحث عن المعين والمعاون، ومنهم من يشكو من سوء الخلق، وبذاءة اللسان، ويتمنى لو استقام لسانه، وحسن بين الناس قوله وطبعه، ومنهم من أبتلي بالبخل والشح، أو تكنيز الأموال، ويتمنى لو تحررت نفسه من هذه الصفة، فيقول: هل من سبيل للخلاص من هذه الصفة الذميمة؟.

     ومنهم من يبحث عن سلامة الصدر وصفاء النفس، والعيش مع الناس بنفس رضية، وقلب نقي، ومنهم من أشغلته الدنيا عن صلة رحم واجبة، فطول أيامه يتحسر، وفي دهره يتألم، ومنهم من يبحث عن علاج قضايا أخلاقية تعب في علاجها أشد التعب، وعانى منها أشد المعاناة، وهو يردد يا ربي متى الخلاص؟.

     فهنا نقول لكل هؤلاء إن علاج كل ما مضى في شهر رمضان .. شهر التوبة والمغفرة والتقرب إلى الله، فكل ما تريده قد هيئه الله لك في هذا الشهر الكريم، صلاةً وقياماً، وبراً وإحساناً وصلة للأرحام، وذكراً وقراءة للقرآن، وصبراً عن الحرام، وبذلاً للمال في الإحسان، وحفظاً للجوارح واللسان مع جزيل من الأجر من الرحمن لمن أراد الزلفى والتقرب لله الواحد الديان.

     إن من أدرك رمضان وكان فيه من الجادين للإفادة منه، والتقرب إلى الله بالطاعات وسائر القربات، كان ذلك هو التغيير، وبداية الانطلاقة، فيكون رمضان بمثابة الدورة التدريبية، المكثفة للنجاح، وتحقيق الرغبات، ونيل المراد.

     فاغتنم أيامك، وسارع في تغيير ذاتك، فإن العمر أنفاس ما ذهب منه فلن يعود.