لم يكن السابع والعشرون من كانون الأول ديسمبر من العام المنصرم يوما كباقي الأيام في تاريخ الشعب الفلسطيني فقد كان على موعد مع فصل جديد من فصول الحقد الصهيونية والتي لم ترحم عذابات شعب وقف شامخا أمام حصار ظالم وجائر حرم مليون ونصف المليون إنسان من ابسط حقوقهم، دونما أي اعتبار لأعراف أو مواثيق فالعدو الصهيوني أدمن على إراقة الدم وإشاعة الخراب والدمار
فقد قامت القوات الصهيونية المحتلة بضربة جوية مباغتة لقطاع غزة لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية فاستهدفت أكثر من 60 طائرة حربية في لحظة واحدة جميع مقرات الشرطة الفلسطينية ومقرات مدنية متعددة على طول قطاع غزة مما أسفر عن حدوث تدمير هائل في المباني وسقوط أكثر من 230 شهيد و550 جريح خلال اليوم الأول من المجزرة.
وخلال جرائم الحرب الصهيونية في الفترة من 27-12-2008 وحتى 23-1-2009 بلغ عدد الشهداء والجرحى إلى 1455 شخصاً ( 1238 ذكور و 217 أنثى) من بينهم 115 سيدة فوق سن 18 عام و 404 طفلا تحت سن 18 عاما) وعلى صعيد القطاع الصحي استشهد 16 من أفراد الطواقم الطبية أثناء تأديتهم الواجب وإصابة 38 آخرين.
كما ودمرت 15 سيارة من سيارات الإسعاف والدفاع المدني.ولم تسلم المراكز والمؤسسات الصحية من نيران الحقد الصهيوني فاستهدف 5 مستشفيات حكومية و3 مستشفيات لمنظمات أهلية و غير حكومية و33 عيادة تابعة لوزارة الصحة وعيادتان تتبعان لمنظمات أهلية وغير حكومية و5 عيادات تتبع لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين.
خلال هذه الفترة تعذر وصول الإمدادات الطبية المنقذة للحياة إلى من يحتاجونها. حيث كان هناك حاجة ماسة للإمدادات الطبية لعلاج المصابين والاستمرار في تقديم الخدمات الصحية بسبب النقص الحاد جراء الحصار.
وكان من المتعذر دخول ما يكفي من الشاحنات إلى غزة لتوزيع الإمدادات وذلك نظراً لمنع قوات الاحتلال من دخول الإمدادات القادمة عبر جمهورية مصر العربية او عبر الكيان الصهيونى وتقطيع محافظات قطاع غزة.
كذلك شهدت هذه الفترة أخطار تعيق وصول الأشخاص إلى الخدمات بسبب شدة القصف الجوي والأعمال العدائية البرية (مع تقسيم غزة إلى قطاعات متمايزة وتم فصل شمال القطاع عن جنوبه.مما حد بشكل خطير من حركة المرضى والمصابين وخدمات الطوارئ الطبية وعمليات وتحويلهم للعلاج وتقييد حركة الطواقم الطبية. وكانت هناك عقبات تحول دون إخلاء بعض من المصابين إصابات خطيرة وإجلائهم من أماكن الاستهداف وعلاجهم خارج قطاع غزة بسبب غلق الحدود وفرض القيود على الحركة من قبل قوات الاحتلال.
*** أثناء الحرب كان عدد الإصابات اكبر بكثير من الطاقة الاستيعابية للمستشفيات لمواجهة الوضع الصحي، حيث أنها لا تمتلك ما يكفي من الأسّرة في عنابر الطوارئ أو وحدات العناية المكثفة ولا غرف العمليات قادرة على مواجهة عدد المصابين حيث غرف العمليات كانت تشتغل فوق طاقتها بحيث تم إجراء عمليات لكثير من المرضي على أرضية غرف العمليات في المستشفيات بسبب وصول العديد من الحالات الحرجة وبحاجة إلى تدخل جراحي، وخاصة أن مستشفى الشفاء به 6 غرف عمليات وكان يتم إجراء أكثر من 3 عمليات في آن واحد و نفس الوقت في داخل الغرفة الواحدة والعديد من المرضى توفوا بسبب عدم القدرة على إجراء تدخُل جراحي لهم وكثرة الحالات.
كما تم تحويل أسّرة المستشفيات في الأقسام الباطنية والنساء والولادة إلى أسرة يرقد عليها المصابون أو إلى أسّرة لخدمات العناية المكثفة بسبب ازدحام الحالات وعدم قدرة المستشفيات على الاستيعاب كان العاملون في الصحة منهكون، حيث أن عملهم كان على مدار الساعة منذ الساعات الأولى من بداية القصف الجوي يوم 27 كانون الأول/ ديسمبر2008.
وعلى سبيل المثال عملت نفس الطواقم الطبية لمدة 48 ساعة متواصلة.اضافة الى أن انقطاع التيار الكهربائي خلال الحرب اثر على عمل المستشفيات وتقديم الخدمات الصحية لمرضى العناية المركزة، وحضانات الأطفال وغرف العمليات وغسيل الكلى كما أن لانقطاع التيار الكهربائي خلال الحرب شكل خطر دائم حيث إن اعتماد كل المستشفيات على مولّدات توليد الكهرباء والتي يعمل بعضها على مدار الساعة لمدة 7 أيام متواصلة لبعضها أدى إلى نفاذ الوقود وتهالك المولدات بسبب طول ساعات العمل وآثار انقطاع التيار الكهربائي كارثية فيما يتعلق بمكافحة العدوى ونقل الدم وتعقيم الأدوات الطبية ووسائل الإصحاح الأساسي والنظافة في المستشفيات وفي قاعات العمليات ووحدات العناية المكثفة .
المهجرين بسبب الحرب
وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين ذكرت أن عدد المهجرين الذين تركوا منازلهم بسبب القصف والتدمير قد فاق 50000 نسمة.كما ذكرت أن خدمات الدعم في مجالات الرعاية الصحية والمياه النقية والأغذية والإصحاح الأساسي والنظافة المقدمة للمهجرين إما إنها منعدمة أو أنها محدودة للغاية. وبالنسبة إلى السكان المهجرين وعامة السكان أمام مخاطر جدية لتفشي أمراض سارية بينهم مثل الأمراض التنفسية الحادة والحصبة والإسهال المائي الحاد وجميع هذه الأمراض يمكن أن تؤدي بأعداد كبيرة من الأطفال بسبب انعدام المأوي والماء وسبل الحياة لقد ارتكب الاحتلال الصهيوني أبشع أنواع المجازر باستهدافه منازل المواطنيين بقاطنيها، وقدرت تلك العائلات التي قصفت منازلها بأكثر من 40 عائلة، وعلى سبيل المثال فان 41 فردا من عائلة السمونى قد تم قتلهم بشكل متعمد بعد تجميعهم وإطلاق النار بشكل مباشر عليهم وقصف المنزل فوق رؤوسهم .
أضرار القطاع الصحي
بلغ عدد العيادات الأولية التي تم استهدافها 40 عيادة منها 33 عيادة حكومية و5 عيادات لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين وعدد 2 أهلية غير حكومية موزعه في كافة مناطق قطاع غزة حيث تقدر قيمة الأضرار التي لحقت بمراكز الرعاية الأولية ب 531,930 دولار، وأما المستشفيات التي تضررت (8) مستشفيات منها 5 مستشفيات حكومية (مستشفى الشفاء، مستشفى الدرة للأطفال، مستشفى شهداء الأقصى، المستشفى الأوروبي، مستشفى بيت حانون) و3 مستشفيات غير حكومية (وهى مستشفى القدس التابع للهلال الأحمر الفلسطيني، مستشفى الوفاء للتأهيل ومستشفى الوئام) وتبلغ التكلفة الإجمالية للأضرار في المستشفيات الحكومية (1,200,000) دولار وتبلغ خسائر الأضرار في القطاع الصحي من المباني في وزارة الصحة ما يقارب 2 مليون دولار.
الأضرار البيئية
تعتبر المياه الجوفية هي المصدر التقليدي الوحيد لمياه الشرب والري في قطاع غزة ازدادت حدة تلوث المياه مع فرض الحصار والحرب الصهيونية على قطاع غزة وقد بلغ نسبة التلوث الكيميائي بالنترات والكلورايد حدودا مضاعفة لما تسمح به منتظمة الصحة العالمية (WHO) في مياه الشرب وهو 45 ملجم/لتر للنترات و250 ملجم / لتر كلورايد بالإضافة إلى التلوث بمسببات الأمراض والطفيليات. كما أن الحصار منع دخول الكلور اللازم لتعقيم وتنقية المياه المستخدمة للشرب ونقص المياه التي تصل إلى البيوت مما أثر سلبا على مستوى العناية الشخصية، إضافة إلى مخاطر المياه العادمة حيث ينتج قطاع غزة أكثر من 30 مليون كوب من المياه العادمة سنويا يذهب معظمها في الأودية، البيئة البحرية والمناطق المفتوحة حيث أدى خفض إمدادات الوقود والكهرباء وعدم إدخال مضخات الصرف الصحي وقطع الصيانة إلى تعطل وتوقف محطات معالجة المياه العادمة مما أدى إلى ذهاب هذه الكميات الكبيرة من المياه العادمة إلى البحر وما سببه هذا من تلوث بيئي خطير بالاضافة لتلوث المياه الجوفية نتيجة قصف محطات معالجة المياه العادمة وأنابيب وشبكات الصرف الصحي،وارتفاع منسوب برك المجارى في بيت لاهيا مع إمكانية انهيار سواترها. والنفايات الصلبة حيث تبلغ كمية النفايات الصلبة المنتجة سنويا فى قطاع غزة حوالي 400,000 طن وقد أدي الحصار الجائر والحرب الإجرامية علي غزة من خلال منع إدخال الوقود ونقص قطع الغيار للمركبات لتقويد حركة المركبات لنقل النفايات إلي أماكن مكب وردم هذه النفيات. حيث إن تراكم هذه النفايات بالتأكيد يؤدى إلى: تلوث الهواء بملوثات مثل أول اكيسد الكربون والديوكسين والفيوران والتي تشكل خطرا على صحة المواطنين و انتشار الآفات المزعجة والضارة مثل الذباب المنزلي والبعوض والقوارض التي تعتبر من أهم عوامل نقل الأوبئة والأمراض في فلسطين. تلوث التربة والمياه الجوفية بالنفايات الصلبة وعصارتها المركزة مما يشكل خطرا صحيا وبيئيا.
وبعد الحرب الاخيرة كانت مشكلة النفايات الانشائية جراء الدمار الهائل في المباني والمنشآت حيث تشكل اخطر المشاكل البيئية الناجمة عن قصف الاحتلال الصهيوني الجوى والمدفعي والبحري حيث ملأت شوارع وطرقات قطاع غزة. تشير التقديرات إن حجم النفايات الإنشائية يزيد عن 600,000 طن ويؤدى تراكم هذه النفايات إلى تلويث المياه الجوفية والبيئة البحرية والتربة وتلويث الهواء الناتج عن تحلل المواد العضوية التي تحولها النفايات الإنشائية، كما أن الغبار الناتج عن هذه النفايات يؤدى إلى ضرر صحي خطير، كما أن اندلاع الحرائق والأخشاب التي تحتويها النفايات الإنشائية يؤدى إلى تلوث الهواء. إضافة إلى ذلك فان كثير من المنازل التي قصفت كانت سقوفها من “الأسبست” والمعروف إن بقايا هذه المادة تشكل خطرا كبيرا على صحة الإنسان.
إرهاب ..بأسلحة جديدة
إن استخدام قنابل الفسفور الأبيض في الحرب على غزة كان بمثابة تحول خطير في ممارسة استخدام أسلحة الدمار الشامل والمحرمة دوليا من قبل قوات الاحتلال المجرمة ضد المدنيين العزل في قطاع غزة. أن هذا النوع من القنابل ينتمي إلى الأسلحة الكيميائية وتستخدم لخلق ستائر دخانية في ارض المعركة وبعيدا عن المناطق السكنية. يمتاز الفسفور بقدرته على الاشتعال والاحتراق إضافة إلى الانفجار الشديد وما عن كل ذلك من أذى ودمار للإنسان والبيئة. ولدى ملامسته للأفراد يحدث حروقا عميقة وخطيرة في الجلد مع الآم مبرحة وموت كامل للأعضاء المصابة. وهو ذو قدرة على الذوبان في الدهون والنفاذ السريع إلى داخل جسم المصاب وإكمال تفاعله و احتراقه داخل الجسم. و تنفس الفسفور الأبيض لفترة قصيرة قد يسبب السعال وتهيج القصبة الهوائية والرئة، وانعكاسات هذا الغاز قد تظهر على المدى البعيد في شكل أمراض سرطانية. لقد استخدم العو الصهيونى فى حربه على غزة اليورانيوم والذي يعد من الأسلحة المحرمة دوليا ومن المواد المشعة المؤدية لمرض السرطان، التشوهات الخلقية، العقم، التخلف العقلي و الإعاقات .وتسبب القنابل الفراغية إصابات خطيرة تمثل في التهتك في جميع أنحاء الجسم الداخلية ,هذا بالإضافة إلى شدة الصوت الناتجة عنها والتي قد تؤدي إلى فقدان حاسة السمع.إضافة إلى أصوات الطائرات المقاتلة والصواريخ التي تزيد شدة الصوت الناتج عنها عن الحد المسموح به مما يسبب (التلوث الضوضائي) وما لهذا التلوث من أثر على صحة المواطنين وتأثيره على حاسة السمع مما سبب الرعب والهلع بين الأطفال و المواطنين القاطنين في قطاع غزة.
الأضرار النفسية للحرب
أثرت الحرب الأخيرة على قطاع غزة على كافة الجوانب ولعل الجانب النفسي للمواطن الفلسطيني كان من أكثر الجوانب تضررا خلال الحرب حيث أجريت دراسات أثناء الحرب أظهرت:
أن ما يزيد عن 300 ألف نسمة ما يقارب 25% من سكان قطاع غزة قد تعرضوا إلي حدث وتجربة نفسية مباشرة من خلال القتل أو الإصابة أو حرق المنزل وغيرها من الأحداث المباشرة.
كما أن معظم شرائح المجتمع في قطاع غزة ما يقارب 1.5 مليون نسمة قد مروا بتجارب نفسية وانفعالية وفكرية عاصفة بالإضافة إلي درجات متفاوتة من التوتر الشديد والقلق والخوف من الموت حيث أن مدير عمليات وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين (جون كينج) أثناء المجزرة أعلن بأنه لا يوجد مكان آمن في قطاع غزة، وقد كان هذا هو الواقع الفعلي السائد في قطاع غزة أثناء المجزرة.
كما وأجرت وزارة الصحة مقارنة من قبل مركز الطوارئ من منتصف فبراير2008 حتى منتصف فبراير2009 أوضحت زيادة نسبة الاضطرابات النفسية بشكل عام لتصل إلى 134% نتيجة الحرب والمجازر وزيادة حادة في نسبة الإصابة باضطراب الصدمة النفسية تصل إلى 486% وهذا مؤشر خطير جدا، وزيادة في نسبة الإصابة بالصرع بشكل غير متوقع وربما يصعب تفسيره.
مواقف شجاعة ..و تضحية بلا حدود
في أيام الحرب العصيبة وعند سماع تحرك سيارات الإسعاف تجوب الشوارع والمناطق المنكوبة ندرك جميعا أن هناك جنودا مجهولين وهبوا أرواحهم لإنقاذ الآخرين فالمهمة صعبة وشاقة فالمحتل يستخدم أسلحة لا ترحم , إنهم بكل فخر ضباط الإسعاف والطوارئ أردنا ونحن نحيي الذكرى الأولى للحرب أن نترك لهم الكلام ليعبروا عن صور التضحية والفداء يقول د معوية حسنين مدير عام الإدارة العامة للإسعاف والطوارئ في اليوم الأول من الحرب في الدقائق الأولى توجهت إلى مدينة عرفات للشرطة برفقة ضابط الإسعاف السائق خالد عليان وبصحبة الحكيم رأفت جعرور ويشاهد بأم عينيه كل صور الدمار والعدوان والإرهاب وما خلفته قذائف طائرات إف 16 من قتل لأفراد الشرطة وضباطها. حيث كان طابور الصباح والانتظام والحفاظ على مصالح الناس وأداء الواجب المهني في مؤسسة الواجب ودوائر المجتمع المدني وخدمة على مدار الساعة للحفاظ على الأمن والسلامة لكافة المواطنين.
وبدأ الدكتور معاوية وبالسرعة القصوى تصنيف الحالات لنقلها وإخلائها لمستشفى الشفاء أقرب مستشفى. كذلك من قلب الميدان التصرف بمسؤولية واستدعاء عدد 5 سيارات إسعاف للحضور للمكان والتكليف لباقي ضباط الإسعاف للانطلاق لكافة المواقع المقصوفة.هنا لا بد من الثبات والعزيمة وقوة الإدارة والعمل بكل إنضابطية وتقديم كل المصالح العليا للواجب المهني والوقوف جنباً إلى جنب مع الشعب والمواطن والحكومة لامتصاص الضربة التي أراد منها العدو إرباك الجبهة الداخلية.ثم إنطلق إلى مستشفى الشفاء لإعطاء الطواقم الطبية العاملة كل معاني الثبات ورباطة الجأش وبعدها تحرك الدكتور معاوية باتجاه طريق البحر الغربي تجاه السودانية حيث كان قصف كونتينر الشرطة والذي دفن تحت الأرض واستشهاد وفقدان اثنين من رجال الشرطة وقد تم إحضار شباب الدفاع المدني والعمل بروح الفريق.
ويضيف د. معاوية قمت بتوجيه رجال الإسعاف لمواقع الأحداث من سيارات إسعاف وضباط إسعاف ومسعفين وأصعب شيء عندما تلقينا مكالمة من الشمال عن قصف برج الدعور والذي قصف على مرتين وفارق زمني بين القصف الأول والثاني أقل من خمسة دقائق وعليه بالقصف الثاني الذي أدى إلى استشهاد 3 من فرسان الإسعاف والطوارئ وإصابة 4 آخرين.
موقف آخر يذكره د. معاوية عند السماح بدخول منطقة السموني حيث الدمار والقتل بلا رحمة ورائحة الدم من كل جانب نعم إنها رائحة المسك ورائحة الجنة وكل المطلوب كان الصبر والسلوان وطلب الرحمة والمغفرة للشهداء والأطهر منا والإسراع في نقل ما تبقى من الجرحى الذين عذبوا وحرموا من الإسعاف مدة تزيد على الأسبوع، والمنظر المبكي هو الطفل الذي يلعب حول والدته وهو لا يعرف أنها شهيدة وإخوانه شهداء.والذي يفقد الصواب أن طفل إبن خمس سنوات عرف الدكتور معاوية وما كان منه إلا أن يطلب الماء وكان شديد الظمأ وكان مصاباً وجريحاً وهذا أبكى الدكتور معاوية ولبى له إعطائه الماء وكان يشرب بلهفة وقدم له الإسعافات الأولية.
الصعب والأخطر أن الجيش الإسرائيلي أطلق النار على قافلة الإسعاف المؤلفة من 25 سيارة إسعاف تنقل الجرحى والحالات الصعبة والعناية المركزة لجمهورية مصر العربية وكان الدكتور معاوية مع أول سيارة في القافلة وينسق مع الصليب الأحمر ولا يتحرك إلا بناءاً على تعليمات وتواصل لاسلكي مع الصليب الأحمر وعند إطلاق النار في منطقة طريق البحر تحديداً عند البيدر ونتساريم المستوطنة المخلاة، إضافة إلى عذابات الناس واتصالاتهم على مدار الساعة وصعوبة التنقل والتحرك وإطلاق النار على سيارات الإسعاف وعدم السماح لهم بدخول كل المناطق وهذا مخالف لاتفاقية جنيف الرابعة والمنصوص عليها حماية المؤسسة الطبية والطواقم الطبية وسيارات الإسعاف والمستشفيات ولكن هذا هو الإرهاب والعنف بعينه.
ومن تجربة ضابط الإسعاف عبد الجيد العطار ومعه زميله المسعف عطية أبو عمرة في منطقة جحر الديك وهنا الحديث عن إطلاق النار على سيارة الإسعاف لمنعها من الدخول لإنقاذ حياة إثنين من المواطنين المدنيين وإطلاق النار بكثافة عدة مرات لتخويف المسعفين إلا أنها وإصراراً للعمل بالمسئولية وعدم التخلي عن أداء الواجب فقد دخلوا المنطقة وتحدى الموت والخوف وقد أوقفوا من طاقم دبابة إسرائيلية وتم إهانتهم والإعتداء عليهم وكل هذا فداء الوطن وإستطاعوا أخذ جريح من داخل الدبابة وإخلاء جريح أخر عن الأرض والمفرح بالأمر أن الجندي داخل الدبابة كان خائف وجبان ومفزوع وضباط الإسعاف كانوا فرحين جداً لإنقاذ حياة الجريحين وعادوا بهم إلى مستشفى شهداء الأقصى. ولابد التنويه هنا أن هذه المهمة كانت مساءاً الساعة السادسة وللعلم كلكم يتذكر حلكة الظلام الدامس وكنا لا نسمع إلا الإنفجارات والقصف وإطلاق النار.
في أيام الحرب على غزة وقصوة وشدة الحصار والقهر وعدم توافر الوقود وضعف إمكانات الصيانة وعدم توافر قطع الغيار فقد عمل جهاز الإسعاف والطوارئ بالإمكانات الصعبة حيث كان موجود طرفنا 57 سيارة إسعاف كان منها مطلوب التكهين 10 سيارات وكانت هناك 17 سيارة كفائتها 30% وعشرون سيارة تعمل بكفاءة 50-60% وبحمد الله والإتكال على الله حققنا الإنتصار وقدمنا كل الطاقة المخزونة لدينا وعملينا جميعاً بروح الفريق.
وكانت غرفة العمليات المركزية بالإسعاف والطوارئ ترصد وتوثق كل شيء حيث أعداد وأسماء الشهداء ونقل وإخلاء الجرحى وتقديم الخدمات الإنسانية في مراكز الإيواء بالمدارس والتواصل مع كل المستشفيات ومراكز العمل اليومي وعمل الدكتور معاوية كمركز إعلامي ويقدم دروس توعية ويشد من أزر المواطنين وتطمينهم.
ومن المواقف الطبية وتوجيهات وإرشادات الدكتور معاوية أن إحدى المواطنات في حالة ولادة في حي الزيتون وكان الجو ظلام وصعوبة للوصول للمكان فقد تم توجيه سيارة إسعاف ووصلت وكان تواصل للدكتور معاوية لاسلكياً مع طاقم الإسعاف وقاموا بالمهمة وولادة السيدة أنجبت ولداً وهذا تخفيف للمعاناة ولم تتعرض الأم للخطر ولا النزيف والموت.ومن المواقف الإنسانية التي قام فيه ضباط الإسعاف والمسعفين توصيل العلاج للمرضى المزمنين في الأحياء المختلفة كذلك توصيل حليب الأطفال للأطفال.
ويختم د. معاوية كان لنا الشرف الكبير في نقل وتوصيل الطواقم الطبية القادمة من الخارج عبر معبر رفح وكذلك الصحفيين إلى كل المستشفيات والمواقع خلال الحرب ومروراً بالنقاط الإسرائيلية.وختاماً والتجربة شاملة وندعو الله أن يثبتنا ويقوي عزائمنا وثباتنا عظيم على أرضنا الفلسطينية وجميعاً فداء لله والوطن فلسطين وخدمة شعبنا
الوفود الطبية أثناء الحرب
لقد منع الاحتلال خروج المرضى من قطاع غزة للعلاج خارج القطاع منذ بداية الحرب الجوية والبرية الهمجية على قطاع غزة إلا بعد عدة أيام من الحرب, مما دفع بالكوادر الطبية والإنسانية عربية وأجنبية لمناصرة الشعب الفلسطيني والدخول إلى قطاع غزة بعد معاناة مريرة واجهتهم فقد كان على رأس الوفود الوفد الطبي من جمهورية مصر العربية وأطباء من دول عربية شقيقة وهم 11 طبيب كانوا يعملون بجانب الكادر الطبي الفلسطيني ,والوفد النرويجي إلى جانب هذه الوفود فقد دخل العديد من الأطباء العرب الأشقاء من الأردن وليبيا وسوريا والسودان واندونيسيا وفرنسا وألمانيا وتركيا و دول أخرى متعددة. ولقد دخلت بعض الوفود الدولية والحقوقية لتوثيق الانتهاكات الصهيونية والجرائم ضد المدنيين والقطاع الصحي بشكل خاص. كما قامت بعض الدول كالأردن بإقامة مستشفي ميداني في قطاع غزة حيث قام بتقديم العديد من الخدمات الصحية التي يحتاجها الشعب الفلسطيني في القطاع. ولقد أسهمت الجهود المصرية الحثيثة بفتح المعبر أثناء المجزرة ونقل معظم الجرحى ذو الإصابات الخطيرة للعلاج في جمهورية مصر العربية ودول عربية وأجنبية أخري بتخفيف الأعباء والضغط المتزايد على المستشفيات وازدحامها بالحالات. وما كان ليتم التغلب علي هذه الكارثة الإنسانية بدون الموقف المشرف لكل من شارك وساهم في دعم الشعب الفلسطيني أثناء وبعد المجزرة. اضافة الى المساعدات الطبية وسيارات الاسعاف التي كان لها دور في التخفيف من اثار الكارثة .
إن حرب الإبادة التي مارسها الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني دفعت هذه الوفود المختلفة من جميع بقاع الأرض أن يجتمعوا على ارض عزة وما كان لهم إن يجتمعوا لولا إرادة الله وقضية الدين والإسلام التي وحدتهم علي أرض الرباط في فلسطين. ولقد عزز وجود هذه الوفود على ارض غزة الجانب النفسي للسكان.
لوحة شرف واشراقة أمل
لقد وجدت وزارة الصحة الفلسطينية نفسها خلال لحرب الأخيرة في تحد من نوع جديد وهي مازالت تخوض المعركة مع حصار ظالم وجائر حرم مليون ونصف المليون مواطن من الكثير من مقومات الحياة الا ان الوزارة استطاعت وبجهود الرجال المؤمنين بعدالة رسالتهم ان تواصل تقديم الخدمة الطبية على مستوى متميز عزز من صمود المواطن الغزي، ولا تزال مشاهد التلاحم الاسطوري للأطباء والممرضين وطواقم الإسعاف حاضرة في اذهان الجميع وهم يبذلون جهودا جبارة في انقاذ الجرحى والمصابين أو إخلاء الجرحى والشهداء من الاماكن المستهدفة واحيانا تحت نيران الحقد والاجرام الصهيونية , رغم قلة الامكانيات وتواضعها في كثير من المواقف فقد كانوا على قدر كبير من تحمل المسئولية التي دفعوا من اجلها أرواحهم ثمنا في سبيل الوصول لاماكن الاستهداف ومهما كان الخطر وشدته , فهم احد جبهات الدفاع الأولى عن ثراب الوطن .. وما يزال العطاء والتميز مستمر .