قرار الإحالة للتقاعد المبكر ما بين

القانون والأثر الخطير على الواقع الصحي

بقلم / سعيد البطة – المستشار القانوني لوزارة الصحة

من المعلوم أن الوظائف العامة تكليف للقائمين عليها هدفها خدمة المواطنين تحقيقاً للمصلحة العامة طبقاً للقوانين واللوائح وهذا ما أكدته مواد قانون الخدمة المدنية رقم (4) لسنة 1998 ولائحته التنفيذية لعام 2005.

وحيث أن الحق في الصحة يعتبر أحد أهم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ويحظى هذا الحق باهتمام كبير من مختلف الدول سواء من ناحية ضمان اقراره بالنص في القوانين المحلية وهذا ما ورد في نص المادة (22) من القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور) وكذلك ما ورد في المادة (25) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان بشأن حق كل شخص في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والعناية الطبية، كذلك فإن دستور منظمة الصحة العالمية أكد على التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة، كذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ” تقر الدول الاطراف في هذا العهد بحق كل انسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية ” أيضاً قانون الصحة العامة الفلسطيني رقم (20) لسنة 2004 تضمن العديد من الحقوق الصحية التي يجب أن يتمتع بها المواطن الفلسطيني والتي تقع مسئوليتها غالباً على وزارة الصحة.

وبناء على ما ذكر فإن الموظف يخضع في الوظيفة العمومية لقانون الخدمة المدنية طبقاً للمادة الثانية من قانون الخدمة المدنية وقد نظم هذا القانون كل ما يتعلق بالموظف وهذا القانون هو الواجب التطبيق على حياة الموظف الوظيفية من تعيينه واستمراراه بالوظيفة إلى أن تنتهي خدمته وبعد انتهاء خدمته يبدأ تطبيق قوانين التقاعد عليه.

وعليه فإن إصدار حكومة رام الله قراراً بإحالة (6145) من الموظفيين العموميين في المحافظات الجنوبية (قطاع غزة) إلى التقاعد المبكر يعتبر قراراً له تداعيات اجتماعية وصحية واقتصادية وأبعاد قانونية، حيث أن فكرة التقاعد وفلسفته تقوم على حماية وصون كرامة الموظفين بحيث لا يقع تحت طائلة الحاجة والعوز لاسيما أن المستهدفين من التقاعد المبكر هم من موظفي المحافظات الجنوبية (قطاع غزة)  ودون موظفي المحافظات الأخرى الأمر الذي يشكل مخالفة للمادة (9) من القانون الأساسي الفلسطيني والتي نصت على أن الفلسطينيون أمام القانون والقضاء    سواء لا تميز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسة أو الإعاقة.

وقد حدد قانون الخدمة المدنية رقم (4) لسنة 1998 وتعديلاته وقانون التقاعد العام رقم (7) لسنة 2005 وتعديلاته الحالات التي يمكن فيها احالة الموظف إلى التقاعد.

ان الاجراء الغير قانوني للتقاعد المبكر والمخالف لكل المواثيق والاتفاقيات الدولية والقوانين واللوائح الداخلية يأتي في ظل المعاناة الكبيرة لسكان قطاع غزة واستمرار الحصار منذ (11) عام وهدف هذا الاجراء هو تعكير الحياة الوظيفية وينعكس سلباً على حياة الموظف والأسرة الاجتماعية وبخصوص القطاع الصحي فإذا طال القرار العاملين في هذا المجال ستحدث مشكلة كبيرة وعملية افراغ للكفاءات وسيؤدي هذا إلى انهيار قطاع الصحة خاصة أن الموظفين على رأس عملهم.

كذلك فإن القرار يأتي في ظل النقص الشديد والحاد في الموظفين العاملين في مرافق الصحة بقطاع غزة لاسيما فئة الفنيين وبالذات الأطباء والتمريض وكذلك النقص الحاد في الأدوية والمهمات الطبية والأجهزة، ففي حال قيام حكومة رام الله بتنفيذ قرارها فهذا سوف يترتب عليه اغلاق الكثير من المستشفيات والعيادات في قطاع غزة أو اللجوء لدمج الكثير من المؤسسات المقدمة للخدمة الطبية وهذا سيترتب عليه مساس خطير بمنظومة الصحة وتأثير ذلك على الرعاية الأولية وما يترتب عليها من انتشار للأمراض المعدية وتأثير برامج التطعيم الوقائي وعدم تنفيذه.

وبناءً على ما ذكر أعلاه فإنه يتوجب علينا توضيح خطورة الأمر والانتهاك الخطير للقوانين والمواثيق وما سوف يترتب على ذلك في حال لا سمح الله نفذ قراراهم الجائر وهذا يستوجب من الجميع أخذ دوره وتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية لوقف المجزرة المحتمل وقوعها ضد القطاع الصحي والمستشفيات ومراكز الرعاية والمرضى والعجزة والأطفال في ظل عزل قطاع غزة واغلاق المعابر وشح الموارد المالية والانقطاع اليومي للتيار الكهربائي وأثره على القطاع الصحي وتعطل المولدات الكهربائية.

وندعو كافة المؤسسات الدولية التي تهتم بحقوق الانسان وعلى رأسها اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمجتمع الدولي والدول والمؤسسات الصحية الدولية ومنظمات حقوق الإنسان بالتدخل لمنع هذا القرار الجائر بالتقاعد المبكر وكذلك الضغط على سلطات الاحتلال الاسرائيلي لمنع تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة والعمل على الوفاء بمسئوليتها الاخلاقية والقانونية لحماية حقوق الانسان الاساسية للسكان المدنيين.

كذلك ندعو الأطراف الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة للوفاء بإلتزاماتها الواردة في المادة الأولى من الاتفاقية والتي تتعهد بموجبها بأن تحترم الاتفاقية وأن تكفل احترامها في جميع الأحوال كذلك التزاماتها الواردة في المادة (146) من الاتفاقية بملاحقة المتهمين باقتراف مخالفات جسيمة للاتفاقية علماً بأن هذه الانتهاكات تعد جرائم حرب وفقاً للمادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة.