السُّكَّري (باللاتينية Diabetes mellitus) هو متلازمة تتصف باضطراب الاستقلاب وارتفاع شاذ في تركيز سكر الدم الناجم عن عوز الأنسولين، أو انخفاض حساسية الأنسجة للأنسولين، أو كلا الأمرين.
 يؤدي السكري إلى مضاعفات خطيرة أو حتى الوفاة المبكرة، إلا أن مريض السكري يمكنه أن يتخذ خطوات معينة للسيطرة على المرض وخفض خطر حدوث المضاعفات.
 يعاني المصابون بالسكري من مشاكل تحويل الغذاء إلى طاقة (الأيض)، فبعد تناول وجبة الطعام ، يتم تفكيكه إلى سكر يدعى الغلوكوز ينقله الدم إلى جميع خلايا الجسم. وتحتاج أغلب خلايا الجسم إلى الأنسولين ليسمح بدخول الغلوكوز من الوسط بين الخلايا إلى داخل الخلايا.

كنتيجة للإصابة بالسكري، لا يتم تحويل الغلوكوز إلى طاقة مما يؤدي إلى توفر كميات زائدة منه في الدم بينما تبقى الخلايا متعطشة للطاقة. ومع مرور السنين، تتطور حالة من فرط سكر الدم (باللاتينية: hyperglycemia) الأمر الذي يسبب أضراراً بالغة للأعصاب و الأوعية الدموية، وبالتالي يمكن أن يؤدي ذلك إلى مضاعفات مثل أمراض القلب والسكتة وأمراض الكلى والعمى واعتلال الأعصاب والتهابات اللثة، بل ويمكن أن يصل الأمر إلى بتر الأعضاء.

الأعراض التي توحي بهذا المرض :-
  * زيادة في عدد مرات التبول بسبب البوال (زيادة كمية البول) بسبب ارتفاع الضغط التناضحي.
  * زيادة الإحساس بالعطش و تنتج عنها زيادة تناول السوائل لمحاولة تعويض زيادة التبول.
  * التعب الشديد والعام.
  * فقدان الوزن رغم تناول الطعام بانتظام.
  * شهية أكبر للطعام.
  * تباطؤ شفاء الجروح.
  * تغيّم الرؤية.

وتقل حدة هذه الأعراض إذا كان ارتفاع تركيز سكر الدم طفيفاً، أي إنه هناك تناسب طردي بين هذه الأعراض وسكر الدم.

العلامات والأعراض

الأعراض المتعارف عليها تقليدياً لمرض السكري هي زيادة التبول و زيادة العطش و بالتالي زيادة تناول السوائل وزيادة الشهية لتناول الطعام. و يمكن لهذه الأعراض أن تتطور سريعاً (خلال أسابيع أو شهور) في النمط الأول خصوصاً إذا كان المريض طفلاً. و على العكس من ذلك فإن تطور الأعراض في النمط الثاني أكثر بطأً و صعبة الملاحظة بل و يمكن أن تكون غائبة تماما. ويمكن أن يسبب النمط الأول فقدان سريع للوزن و لكنه كبير ( على الرغم من أن تناول المرضى للطعام يكون طبيعياً أو حتى زائداً ) كما يمكنه أن يسبب خمول و تعب مستمر. و تظهر كل هذه الأعراض ماعدا فقدان الوزن في مرضى النمط الثاني الذين لا يولون المرض الرعاية الكافية.

و عندما يرتفع تركيز غلوكوز الدم أعلى من الحد الأقصى لقدرة الكلى، لا تكتمل إعادة امتصاص الغلوكوز في الأنبوب الملتف الداني ويبقى جزء من الغلوكوز في البول و يزيد الضغط الإسموزي للبول و يمنع إعادة امتصاص الماء بواسطة الكلية مما يؤدي إلى زيادة إنتاج البول و بالتالي فقدان سوائل الجسم. و يحل الماء الموجود في خلايا الجسم محل الماء المفقود من الدم إسموزياً و ينتج عن ذلك جفاف وعطش.

و يسبب ارتفاع تركيز غلوكوز الدم لفترات طويلة إلى امتصاص الغلوكوز مما يؤدي إلى تغيرات في شكل العدسات في العين و ينتج عنه تغيرات في الإبصار و يشكو مرضى السكري عموماً من الرؤية المشوشة و يمكن تشخيصه عن طريقها.و يجب الافتراض دائماً أن المريض مصاب بالنمط الأول من السكري في حالات تغير الإبصار السريع بينما يكون النمط الثاني عادة متدرج في سرعته. و لكن يجب افتراض الإصابة به أيضاً.

و يعاني مرضى السكري (عادة مرضى النمط الأول) من تحمض الدم الكيتوني، و هي حالة متدهورة نتيجة عدم انتظام التمثيل الغذائي تتميز بوجود رائحة الأسيتون في نفس المريض ، سرعة و عمق التنفس ، زيادة التبول ، غثيان ، استفراغ و مغص و كذلك تتميز بوجود حالة متغيرة من حالات فقدان الوعي أو الاستثارة (مثل العدوانية أو الجنون و يمكن أن تكون العكس : اضطراب و خمول). و عندما تكون الحالة شديدة، يتبعها غيبوبة تؤدي إلى الموت. و لذلك فإن تحمض الدم الكيتوني هو حالة طبية خطيرة تتطلب إرسال المريض للمستشفى.

و توجد حالة أخرى تسمى الحالة اللاكيتونية و هي حالة نادرة و لكنها على نفس درجة خطورة تحمض الدم الكيتوني. و تحدث أكثر بالنسبة لمرضى النمط الثاني و سببها الرئيسي هو الجفاف نتيجة لفقد ماء الجسم. وتحدث عندما يشرب المريض كميات كبيرة من المشروبات السكرية مما يؤدي لفقدان كميات كبيرة من الماء.

تلعب الوراثة دوراً جزئيا في إصابة المريض بالنمطين الأول و الثاني. و يُعتقد بأن النمط الأول من السكري تحفزه نوع ما من العدوى ( فيروسية بالأساس ) أو أنواع أخرى من المحفزات على نطاق ضيق مثل الضغط النفسي أو الإجهاد و التعرض للمؤثرات البيئية المحيطة ( مثل التعرض لبعض المواد الكيمائية أو الأدوية ). و تلعب بعض العناصر الجينية دوراً في استجابة الفرد لهذه المحفزات. و قد تم تتبع هذه العناصر الجينية فوجد أنها أنواع جينات متعلقة بتوجيه كرات الدم البيضاء لأي أجسام مضادة موجودة في الجسم ( أي إنها جينات يعتمد عليها الجهاز المناعي لتحديد خلايا الجسم التي لا يجب مهاجمتها من الأجسام التي يجب مهاجمتها ). و على الرغم من ذلك فإنه حتى بالنسبة لأولئك الذين ورثوا هذه القابلية للإصابة بالمرض يجب التعرض لمحفز من البيئة المحيطة للإصابة بالمرض. و يحمل قلة من الناس المصابين بالنمط الأول من السكري جين متحور يسبب سكري النضوج الذي يصيب اليافعين.

و تلعب الوراثة دوراً أكبر في الإصابة بالنمط الثاني من السكري خصوصاً أولئك الذين لديهم أقارب درجة أولى. و يزداد احتمال إصابتهم بالمرض بازدياد عدد الأقارب المصابين. فنسبة الإصابة به بين التوائم المتماثلة ( من نفس البويضة ) تصل على 100% ، و تصل إلى 25% لأولئك الذين لديهم تاريخ عائلي في الإصابة بالمرض. و تتضمن الجينات المرشحة بأنها تسبب المرض جين يُسمى KCNJ11 ( القنوات التي تصحح اتجاه أيون البوتاسيوم إلى داخل الخلية ، العائلة الفرعية J ، و يقوم هذا الجين بتشفير قنوات البوتاسيوم الحساسة للأدينوسين ثلاثي الفوسفات ATP. و كذلك جين KCF7L2 ( عامل نسخ ) الذي ينظم التعبير الجيني للبروجلوكاجون الذي ينتج جلوكاجون مشابه للبيبتيدات. و أكثر من ذلك فإن البدانة ( و هي عامل مستقل في زيادة احتمال الإصابة بالنمط الثاني من السكري ) تُورث بصورة كبيرة.

و تلعب العديد من الحالات الوراثية دوراً كبيراً في الإصابة بالسكري مثل الحثل العضلي ، رنح فريدريك و كذلك فإن متلازمة ولفرام هي اختلال صبغي مرتد يسبب ضمور الأعصاب تظهر أثناء مرحلة الطفولة و هي تتكون من البول الماسخ ، البول السكري ، ضمور العين و الصمم.
أسباب المرض
آلية إفراز الأنسولين في الخلايا باء الطبيعية. يُنتج الأنسولين بمعدل أقل أو أكثر ثباتاً بغض النظر عن مستويات غلوكوز الدم. و يُخزن داخل فجوات للاستعداد لإفرازه بواسطة الإخراج الخلوي الذي يُحفز بزيادة مستويات غلوكوز الدم.

إن الأنسولين هو الهرمون الأساسي الذي ينظم نقل الغلوكوز من الدم إلى معظم خلايا الجسم ( خصوصاً الخلايا العضلية و الخلايا الدهنية ، و لكن لا ينقله إلى خلايا الجهاز العصبي المركزي ). و لذلك يؤدي نقص الأنسولين أو عدم استجابة الجسم له إلى أي نمط من أنماط السكري.

تتحول معظم الكربوهيدرات في الطعام إلى غلوكوز أحادي خلال ساعات قليلة. و هذا الغلوكوز الأحادي هو الكربوهيدرات الرئيسي في الدم الذي يُستخدم كوقود في الخلايا. و يُفرز الأنسولين في الدم بواسطة خلايا بيتا في جزر لانغرهانس بالبنكرياس كرد فعل على ارتفاع مستويات غلوكوز الدم بعد الأكل. و يستخدم الأنسولين حوالي ثلثان خلايا الجسم لامتصاص الغلوكوز من الدم أو لاستخدامه كوقود للقيام بعمليات تحويلية تحتاجها الخلية لإنتاج جزيئات أخرى أو للتخزين. و كذلك فإن الأنسولين هو المؤشر الرئيسي لتحويل الغلوكوز إلى جليكوجين لتخزينه في داخل الكبد أو الخلايا العضلية. و يؤدي انخفاض مستويات الغلوكوز إلى تقليل إفراز الأنسولين من الخلايا باء و إلى التحويل العكسي إلى الجليكوجين الذي يعمل في الاتجاه المعاكس للأنسولين. وبذلك يُسترجع الغلوكوز من الكبد إلى الدم ؛ بينما تفتقد الخلايا العضلية آلية تحويل الجليكوجين المخزن فيها إلى غلوكوز.

تؤدي زيادة مستويات الأنسولين إلى زيادة عمليات البناء في الجسم مثل نمو الخلايا و زيادة عددها ، تخليق البروتين و تخزين الدهون. و يكون الأنسولين هو المؤشر الرئيسي في تحويل اتجاه العديد من عمليات التمثيل الغذائي ثنائية الاتجاه من الهدم إلى البناء و العكس. وعندما يكون مستوى غلوكوز الدم منخفضاً فإنه يحفز حرق دهون الجسم. و إذا كانت كمية الأنسولين المتاحة غير كافية ، أو إذا كانت استجابة الخلايا ضعيفة لمفعول الأنسولين ( مقاومة أو مناعة ضد الأنسولين ) ، فلن يُمتص الغلوكوز بطريقة صحيحة من خلايا الجسم التي تحتاجه و لن يُخزن الغلوكوز في الكبد و العضلات بصورة مناسبة. و بذلك تكون المحصلة النهائية هي استمرار ارتفاع مستويات غلوكوز الدم ، ضعف تخليق البروتين و بعض اضطرابات التمثيل الغذائي مثل تحمض الدم.

الوقاية

توجد العديد من العوامل التي تزيد من احتمال الإصابة بالنمط الأول من السكري و منها التهيؤ الجيني للإصابة بالمرض و يرتكز هذا التهيؤ على جينات تحديد الأجسام المضادة لكرات الدم البيضاء ( خصوصاً الأنواع DR3 و DR4 ) ، أو وجود محفز بيئي غير معروف ( يمكن أن يكون عدوى معينة ، على الرغم من أن هذا الأمر غير محدد أو مُتأكد منه حتى الآن في جميع الحالات ). أو المناعة الذاتية التي تهاجم الخلايا باء التي تنتج الأنسولين. و ترجح بعض الأبحاث أن الرضاعة الطبيعية تقلل احتمال الإصابة بالمرض. و قد تم دراسة العديد من العوامل المرتبطة بالتغذية التي قد تزيد أو تقلل احتمال الإصابة بالمرض و لكن لا يوجد دليل قاطع على مدى صحة هذه الدراسات. فمثلاً تقول إحدى الدراسات أن إعطاء الأطفال 2000 وحدة دولية من فيتامين د بعد الولادة يقلل من احتمال الإصابة بالنمط الأول من السكري.

و دراسة أخرى تقول أن الأطفال الذين لديهم أجسام مضادة لجزر لانجرهانز و لكن بدون ظهور السكري عليهم و يتم معالجتهم بفيتامين ب 3 ( نياسين ) تقل لديهم الإصابة بالمرض إلى أقل من النصف خلال فترة سبع سنوات بالمقارنة بجميع الأطفال عامة الذين شملتهم الدراسة بل إنه حتى يقل احتمال إصابتهم بالمرض عند مقارنتهم بالأطفال الذين لديهم أجسام مضادة و لكن لا يتناولون فيتامين ب 3.

و يمكن تقليل احتمال الإصابة بالنمط الثاني من السكري بتغيير نمط التغذية و زيادة النشاط البدني. و توصي الجمعية الأمريكية للسكري بالحفاظ على وزن صحي و ممارسة الرياضة لمدة ساعتين و نصف أسبوعيا ( المشي السريع يؤدي الغرض ) و تناول الدهون باعتدال و تناول كمية كافية من الألياف و الحبوب الكاملة. و لا توصي الجمعية بتناول الكحول للوقاية ، و لكن من المثير للاهتمام أن تناول الكحول باعتدال قد يقلل من مخاطر الإصابة ( و لكن الإفراط في شرب الكحوليات يدمر أنظمة الجسم بصورة خطيرة ). و لا يوجد أدلة كافية على أن تناول الأغذية شحيحة السكريات يمكن أن تكون مفيدة طبياً.

و أظهرت بعض الدراسات أن استخدام الميتفورمين، الروزيجليتازون أو الفالسارتان كوقاية يمكن أن يؤخر الإصابة بالسكري في المرضى المهيئين لذلك. و تقل الإصابة بالسكري بنسبة 77% في المرضى الذين يستخدمون الهيدروكسي كلوراكين لعلاج التهاب المفاصل الروماتيزمي. و يمكن أيضاً للرضاعة الطبيعية أن تقي من الإصابة بالنمط الثاني من السكري في الأمهات.

ما بعد المرض
إن تعلم المريض ، و تفهمه و مشاركته لهم دور حيوي في تقليل مضاعفات مرض السكري لأن هذه المضاعفات تكون أقل شيوعاً و أقل حدةً في المرضى الذين يتحكمون في مستويات غلوكوز دمهم جيداً.و تسرع المشكلات الصحية المنتشرة من الآثار الضارة لمرض السكري مثل التدخين ، ارتفاع ضغط الدم و عدم ممارسة التمارين الرياضية بانتظام. و طبقاً لإحدى الدراسات فأن احتمال الإصابة بالسكري تتضاعف ثلاثة مرات في النساء ذوات ضغط الدم المرتفع.
و من المثير للاهتمام وجود دليل يرجح إن بعضاً من المصابين بالنمط الثاني من السكري الذين يمارسون التمارين الرياضية بانتظام و يخسرون بعضاً من وزنهم و يأكلون طعاماً صحياً يمكن أن يبقوا بعضاً من آثار المرض في حالة " ارتخاء ". و يمكن أن تساعد هذه النصائح الأفراد المهيئين للإصابة بالنمط الثاني و كذلك أولئك الذين في مرحلة بداية السكري على منع تطور حالتهم لتصبح مرضاً كاملاً لأن هذه الممارسات تساعد على استعادة استجابة الجسم للأنسولين. و لكن يجب على المريض أن يستشير الأطباء بخصوص اتباع هذه الممارسات لمعرفة النتائج المترتبة عليها قبل ممارستها ( خصوصاً لتفادي هبوط مستوى غلوكوز الدم أو أي مضاعفات أخرى ) ؛ و يوجد القليل من الأفراد الذين يبدوا إنهم قد ابقوا المرض في حالة " ارتخاء " كاملة ، و البعض الآخر يمكن أن يجدوا أنهم يحتاجون القليل من أدويتهم لأن الجسم يحتاج أنسولين قليل أثناء أو بعد ممارسة الرياضة. و بغض النظر عن مدى فاعلية هذه الممارسات إذا كانت تفيد بعض الأفراد أو لا تفيد بالنسبة لمرض السكري ، توجد بالتأكيد فوائد أخرى لنمط الحياة الصحي للأفراد سواء المصابون بالسكري أو غير المصابين.
تتغير طريقة التحكم في مرضى السكري بتقدم العمر لأن إنتاج الأنسولين يقل بضعف الخلايا باء البنكرياسية. بالإضافة إلى زيادة مقاومة الأنسولين بسبب تأكل النسيج اللحمي ، تراكم الدهون خصوصاً داخل البطن و ضعف استجابة الأنسجة للأنسولين. و يضمحل تحمل الغلوكوز باطراد مع تقدم العمر مما يؤدي إلى زيادة الإصابة بالنمط الثاني من السكري وارتفاع غلوكوز الدم. و يصاحب عدم تحمل الغلوكوز المرتبط بتقدم السن مقاومة للأنسولين ، على الرغم من أن مستويات الأنسولين في الدم تكون مماثلة لتلك الموجودة في الشباب. و تتنوع أهداف علاج المرضى المسنين على حسب الشخص المُعالج و يجب الأخذ في الاعتبار الحالة الصحبة ، العمر المتوقع ، مستوى الاعتماد ( على النفس ) و إرادة المريض لاتباع نظام العلاج.