هناك عدة محاور تدور حولها آداب المهنة وواجباتها، وهي: المريض، والمجتمع، والمهنة ذاتها، ولا بد من الإشارة إلى محور آخر لا يقل أهمية عن سابقيه وهو محور زملاء المهنة.
نصت مواد نظام مزاولة المهن الصحية على أنه: (يجب أن تقوم العلاقات بين الممارس الصحي وغيره من الممارسين الصحيين على أساس من التعاون والثقة المتبادلة)؛ وما ذلك إلا لأن الأطباء – بتنوع اختصاصاتهم الطبية – متكافلون فيما بينهم على رعاية صحة المجتمع وصحة أفراده, فالطبيب لزملاء مهنته جمعٌ وإضافة وتعاون لصالح المريض والمجتمع، ومقتضى ذلك أن يدرك الطبيب أن هناك آدابا وواجبات ينبغي مراعاتها أثناء تفاعله مع زملاء المهنة.
واجبات ومحظورات:
إن من أهم واجبات الطبيب في هذا المجال هو حُسْن التصرُّف مع زملائه ومعاملتهم كما يحب هو أن يعاملوه به، وأن يبني علاقته بهم على أُسُس الأخوة، والمحبة، والاحترام، والثقة المتبادلة.
وعلى الطبيب أن يتجنب النقد المباشر للزميل أمام المرضى مهما كانت مبرراته، إذ من شأن ذلك أن يضرَّ بالمريض قبل الطبيب، والنقد العلمي المنهجي النزيه لا يتم أمام المرضى بل في الاجتماعات الخاصة واللقاءات العلمية والمؤتمرات الطبية والمجلات العلمية. وأربأ بالطبيب الذي يخاف الله أن يكون دافعه لنقد زميله أمام المريض حسد مقيت أو صرف الناس عن الزميل.
وعلى الطبيب في كل الأحوال أن يراعي الضوابط الشرعية عند التعامل مع زملاء المهنة مثل تجنب الخلوة بالأجنبيات، أو الوقوع في أعراض الزملاء، وأكل لحومهم، وتتبع عوراتهم، أو الكيد لهم بالسوء، أو الانتقاص من مكانتهم العلمية أو الأدبية, أو ترديد الإشاعات التي تسيء إليهم, وغير ذلك مما نهى عنه ديننا الحنيف بشأن كل مسلم؛ فكيف بمن تربطه بهم علاقة خاصة تقتضي الاحترام والتعاون البنَّاء.
تعليم الأطباء:
على الطبيب أن يبذل الوسع في تعليم الأطباء الذين يعملون ضمن فريقه الطبي أو من هم تحت التدريب، والحرص على إفادتهم بما يملك من خبرات ومعلومات ومهارات, وإعطائهم الفرصة للتعلم وتطوير مهاراتهم، وقد يتطلب ذلك التدرج في إسناد مهام العناية بالمريض إليهم وفي هذه الأحوال يبقى الطبيب مسئولاً عن ضمان تلقي المريض للعناية الكاملة وملزماً بالإشراف الكافي على ذلك.
تقديم الاستشارات:
على الطبيب ألا يجد غضاضة أن يقف عند حدود قدراته وما يستطيع أداءه، وأن يطلب المساعدة من زملاء المهنة الأكفاء في حل مشكلاته التي تؤثر سلباً على الخدمة التي يقدمها لمرضاه أو مجتمعه أو مهنته.
وبالمقابل إذا دعي الطبيب من قبل أحد زملائه لمعاينة مريض يعالجه فعليه الاستجابة لطلب الاستشارة حتى وإن لم يتبين له مبرر ذلك، وعليه حينها توخي الحذر من أي كلمة أو إيحاء قد يفهم منها المريض انتقاص الزميل المعالج أو الحط من قدره أو التقليل مما بذله من جهد، ويتأكــــد ذلك عند اختلاف وجهة نظره عن وجهة نظر الطبيب المعالج. وفي كل الأحوال عليه طمأنة المريض والتقليل من قلقه واستعمال الحكمة في تحديد ما ينبغي أن يُطلِع المريض عليه بنفسه وما يتركه للطبيب المعالج.
أما إذا كان طلب الاستشارة من المريض أو من ذويه فعلى الطبيب المستشار التأكد من علم الطبيب المعالج بذلك قبل موافقته على المعاينة، ولا يسوغ الإطلاع على ملف المريض إلا بعد إذن الطبيب المعالج, والامتناع عن استغلال هذا الوضع لمصلحته الشخصية، وأن يترفع عن كل ما يسيء إليه في ممارسة مهنته)، ولذا يحسن إبلاغ المريض قبل بدء الفحص بصفته، وأنه يحل محل الطبيب صاحب العيادة بصفة مؤقتة.
تقويم أداء الأطباء:
قد يكون الطبيب في موقع يحتم عليه تقويم زملاء المهنة، وعليه في هذه الحالة أن يتوخَّى الدقَّة والأمانة في تقويمه لأداء من يعملون معه أو يتدربون تحت إشرافه، فلا يبخسَ أحداً حقه، ولا يبالغ في مدحه والثناء عليه، ولا يساويَ في التقويم بين المجتهد والمقصِّر.
وعلى الطبيب أن يكون مستعداً للقيام بمراجعــــة نقديــة للأداء المهني لزمـلاء له وأن يقبل بذلك على نفسـه، وأن يجتهـد في أن لا تؤثـر العلاقة المهنية أو الشخصية على نتيجـة التقويـم تلك إن سلباً أو إيجاباً.
زملاء المهنة أم سلامة المريض:
إذا علم الطبيب من حال أحد زملائه ما من شأنه التأثير على سلامة ممارسته الطبية، سواء كان ذلك جهلاً أو تفريطاً في المسؤولية، وغلب على ظنه حصول ضرر للمريض من قبله، لزمه إبداءُ رأيه للزميل، وفي حالة عدم الاتِّفاق يلزمه الرفع بذلك للجهة المختصَّة للنظر في الأمر واتخاذ القرار المناسب.
يتحتم على الطبيب الذي يعلم إصابة زميل له أو أحد أعضاء الفريق الصحي بمرض مُعْدٍ قد ينتقل للمرضى من خلال ممارسته المهنية أن يبلغ الجهات المختصة بذلك، إذا علم استمرار المصاب في الممارسة الطبية، أو علم عدم تقيده باتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لمنع إصابة المرضى الذين يعالجهم، ولا يشترط إذن الطبيب المصاب بذلك.
زملاء المهنة في القطاع الخاص:
لقد نص كتاب (أخلاقيات مهنة الطب) إنه من المستحسن أن لا يتقاضى الطبيب أتعاباً مقابل علاج زملائه الأطباء إلا إذا سددها طرف ثالث. وبما أن طب الأسنان – بشكل عام – مكلف نوعاً ما، وربما تطلب عدداً غير قليل من الزيارات، فلا حرج في أخذ تكلفة العلاج فقط.
لا يجوز للطبيب أن يسعى لمزاحمة زميل له بطريقة غير شريفة، ويحظر على الممارس الصحي: (محاولة اجتذاب المرضى الذين يعالجون لدى زميله, أو العاملين معه، أو صرفهم عنه بطريق مباشر أو غير مباشر). أما في حالة كون المريض عازماً على الاستغناء عن الطبيب الأول فيحسن بالطبيب الثاني التأكد من إعلام الطبيب الأول بذلك.
وعلى الطبيب تسوية أيِّ خلاف قد ينشأ بينه وبين أحد زملائه بالطرق الودِّية؛ فإن لم يُسَوَّ الخلاف، يبلغ الأمر إلى الجهة المختصَّة للفصل فيه، وعلى الأطباء أثناء ذلك الابتعاد عن التصرفات غير النزيهة، أو أساليب الغش والتدليس، أو السلوكيات العنيفة.
زملاء المهنة من غير الأطباء:
على الطبيب أن يحترم زملاء المهنة من هيئة التمريض والفنيين وغيرهم، وأن يقدِّر دورهم في علاج المريض أو العناية به، وأن يبني علاقته بهم على التعاون بما يخدم مصلحة المرضى، وأن يبدي ملاحظاته المهنية لهم بطريقة لائقة، متجنِّباً نقدهم أمام المرضى، وأن يستمع إلى ملاحظاتهم ونقدهم وتحفظاتهم بالنسبة لتعليماته العلاجية بنظرة موضوعية وبدون تعالٍ، وعليه أيضاً التأكُّد من التزامهم بمبادئ وأخلاقيات المهنة.
من جهة أخرى، على الطبيب أن يدرك دوره في المساهمة في تقدُّمهم العلمي والمهني، فيبذل الجهد في تعليمهم وتدريبهم وتوجيههم.