alt:

تنفتح أزمة نقص الدواء بغزة، وتتجدد لتطال كل يوم قسمًا مختلفًا من أقسام مستشفيات القطاع، ما يزيد الألم والمعاناة لدى المرضى الذين يرقدون على الأسرّة البيضاء، ينتظرون بلهفة استقبال دوائهم الذي يتناقص تدريجيًا، قبل أن تنتهي أنفاسهم التي أصبح الشهيق منها والزفير مرهوناً بـ”الدواء”.

وما زالت مستشفيات قطاع غزة، تشهد كارثة إنسانية حقيقية في ظل تواصل أزمة نقص الأدوية التي وصلت إلى مرحلة حرجة، بعد نفاد 280 صنفًا من الأدوية والمستهلكات الطبية، وتناقص رصيد 130 صنفًا دوائيًا آخر، بشكل يومي ومرشح للنفاد.

وتُشّكل الأزمة معاناة إنسانية كبيرة يدفع ثمنها آلاف المرضى، خاصة ممن يعانون من أمراض مزمنة، كالتي تُصيب مرضى الفشل الكلوي، كنقص المعدات الخاصة بأجهزة غسيل الكلى مثل “البرابيش والفلاتر”، وغيرها من المستلزمات، الأمر الذي يُعرّض حياة هؤلاء المرضى لخطر الموت.

ويغسل الحاج علي الشامي، كليتيه منذ 8 أعوام، يذهب ثلاث مرات أسبوعيًا، إلى مستشفى الشفاء ليتمدد على أحد الأسرّة، ليبدأ عملية الغسيل التي تستمر لمدة أربع ساعات.

“مصيرنا الموت”
ويقول الحاج الستيني لـ”فلسطين”: “إن قسم غسيل الكلى، يُعاني من نقص الأدوية والمستهلكات الطبية الخاصة بعملية الغسيل، “كالبرابيش والفلاتر، والكالسيوم، “وإذا تناقصت هذه الأمور يومًا بعد يوم يكون مصيرنا الموت”.

وقال: “استمرار مريض الكلى في المستشفى يتم حسب صحة الإنسان، منهم من لديه صحة يقوم بعملية غسيل الكلى ويرجع إلى بيته، وهناك مرضى يغسلون الكلى وينامون في المستشفى لعدم مقدرتهم على الرجوع لبيوتهم لتدهور صحتهم”.

وناشد الشامي جميع الضمائر الحية، والمسئولين في الضفة والقطاع، لمراعاة ظروف وأوضاع المرضى، وعدم تسييس قضية دخول الأدوية والمستهلكات الطبية، مضيفًا: “لا بد أن يكون العلاج موجوداً باستمرار خاصة لقسم الكلى، ونُحمّل حكومة رام الله المسؤولية لأنها تقوم بتنقيطنا بالدواء، ولا تعمل على استمرار دخوله”.

ولم تختلف معاناة الخمسينية نعيمة المصري عن سابقها، إذ إن الحديث عن نفاد ونقص الأدوية باستمرار، يُصيبها بحالة من الاكتئاب والإحباط، لعدم توفر بدائل أخرى عن وجود الأدوية واستمرار وصولها للمرضى.

وقالت المصري لـ”فلسطين”: “قمتُ بعملية قسطرة للقلب في الأردن، ومن بعدها تعبت الكلى، وازدادت حالة القلب سوءًا، وبدأت بأخذ علاج الكلى التي لا زالت إلى الآن في حالة ضمور”.

وأضافت: “أغسل الكلى 3 مرات أسبوعيًا، وبعض المرات يزيد التعب وأغسل بشكل طارئ يوم الجمعة، (..) والأطباء والممرضون عاجزون عن مداواتنا بالشكل السليم لعدم استقرار الوضع والرصيد الدوائي، خاصة أن مرضى الكلى يحتاجون إلى العناية بهم بشدة”.

معاناة أخرى
وأشارت إلى تناقص “إبر الكلى، والتي لا يتواجد العديد من أنواعها، ونتأخر أحيانًا في أخذها، كما أن هناك نقصاً في الفلاتر”، مؤكدةً على خطورة انقطاع التيار الكهربائي في القسم.

وتتجلى معاناة مريضة الكلى الهام حمش، من النقص والانقطاع المفاجئ في الأدوية والمستهلكات الطبية، مبينةً أنها تكون في حالة استقرار، وأن الحديث عن النقص يحدث بشكل سريع ومفاجئ.

وأوضحت حمش (47 عامًا) أنها تغسل الكلى منذ 3 سنوات، وأن المعاناة تتمثل في نقص الفلاتر، إضافة إلى حاجة أجهزة غسيل الكلى إلى صيانة مستمرة، “ولا يوجد قطع غيار، وعدد الأجهزة قليل بالنسبة لأعداد المرضى الهائلة”.

وذكرت أن عدم توفر الأدوية في المستشفى يدفع المرضى إلى شرائها من الخارج بثمن باهظ، “ويحدث هناك استغلال للأدوية في ظل نقصها”، مناشدةً المسئولين بوضع قضية الأدوية خارج المناكفات السياسية والنظر إليها على أنها متطلب إنساني.

من جهته، قال رئيس قسم الكلى والديلزة في مستشفى الشفاء د.عبد الله القيشاوي: “هناك نقص خطير في الأدوية والمستهلكات الطبية الخاصة بمرضى غسيل الكلى، من ضمنها الفلاتر أو المرشحات، والتي تعتبر ضرورية جدًا لمرضى الغسيل الكلوي، إضافة إلى الأربطة الوريدية”.

وأضاف في حديث لـ”فلسطين”: “أي نقص في أحد متطلبات الغسيل، يؤدي إلى توقف عملية الغسيل بشكل كامل، لأنها تعمل بنظام متكامل، (..) ويحدث هذا النقص كل فترة، ما يجعل القسم أمام كارثة في ظل عدم وجود بدائل أخرى”.

وأشار إلى أن انقطاع التيار الكهربائي والنقص الحاصل في السولار الصناعي لتشغيل مولدات المستشفى، يؤدي إلى توقف أجهزة الغسيل، “لأن جميع تلك الأجهزة تعمل على الطاقة الكهربائية، كما أن انقطاع التيار المتكرر يؤثر سلبًا على الأجهزة ويحدث فيها خلل، على اعتبار أنها أجهزة مبرمجة، والتي من الممكن أن يؤدي انقطاع التيار المفاجئ عنها إلى حدوث خلل وتلف أي قطعة من الجهاز، ويتوقف الجهاز بشكل كامل لعدم وجود قطع غيار للأجهزة”.

وبين أن توقف الأجهزة يهدد حياة المرضى، ويزيد من نسبة حالات الوفاة، “لأن غسيل الكلى يعني تنظيف الدم من السموم الموجودة فيه، وهناك نقص كبير في الأدوية لدى العديد من الأقسام، ولدينا نقص في الأدوية المثبطة للمناعة لمرضى زراعة الكلى”.

نزف مستمر
بدوره، أكد الناطق باسم وزارة الصحة د.أشرف القدرة أنّ النزف المستمر في الرصيد الدوائي، أدى إلى نفاد 280 صنفًا من الأدوية والمستهلكات الطبية، إضافة إلى تناقص رصيد 130 صنفًا دوائيًا بشكل يومي ومرشح للنفاد.

وقال القدرة لـ”فلسطين”: “أبلغنا الموردين بأن حصة قطاع غزة من الفلاتر الخاصة بمرضى غسيل الكلى، تبلغ 4000 فلتر، ولكن لم يصلنا من صحة رام الله سوى 1940 فلتراً، أي أقل من نصف الكمية”.

وأضاف: “نتعامل اليوم مع المرضى، بإنقاذ ما يُمكن إنقاذه لأن كارثة نقص الدواء تتزايد يوميًا، إضافة إلى نفاد سولار المستشفيات والمراكز الصحية”، مناشدًا البنك الدولي للإسراع في توريد الكميات اللازمة من “السولار” المستخدم في تشغيل مولدات الكهرباء.

وبين أن مخزون الوزارة من الوقود سينفد مع نهاية الأسبوع الحالي، معللًا ذلك بعدم توريد أي كميات إلى خزانات الوزارة المركزية، التي تحوي حاليًا على ربع سعتها فقط، منها 8% راسبة لا يمكن الاستفادة منها.

ودعا القدرة صحة رام الله إلى السماح لوصول مخصصات القطاع من الأدوية، مجددًا مطالبته لكافة المؤسسات بتكثيف جهودها بتشكيل خلية عمل موحدة بشكل طارئ وعاجل لدعم الخدمات الصحية بالوزارة باحتياجاتها من الأدوية والمستهلكات الطبية والسولار الخاص بتشغيل المولدات الكهربائية.

يُذكر أن الكميات اللازمة من “السولار” لم يصل منها خلال العام الحالي سوى 120 ألف لتر، في الوقت الذي تبلغ فيه الاحتياجات السنوية 2.2 مليون لتر سنويًا