الرحمة كمال في الطبيعة يجعل المرء يرقُّ لآلام الخَلْقِ، ويسعى لإزالتها، وهي في أفقها العالمي وامتدادها المطلق صفة للمولى تباركت أسماؤه، فهو الرحمن الرحيم، وما يُرى في الأرض من توادٍّ، وبشاشة، وتعاطف، وبرٍّ أثرٌ من رحمة الله التي أودع جزءًا منها في قلوب الخلائق، فأرقُّ الناس أفئدةً أوفرهم نصيبًا من هذه الرحمة، أمَّا غلاظ الأكباد من الجبَّارين والمستكبرين فهم في الدرك الأسفل من النار، وفي الحديث: “إِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي.

 

وقد كان رسول الله نموذجًا رائعًا للرحمة، قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159].

 

وقد لازمته الرحمة حتى في أعصب الساعات؛ وذلك لأن القلوب الكبيرة قلَّما تستجيشها دوافع القسوة، فهي إلى الصفح والحنان أدنى منها إلى القسوة والحقد.

 

وقد أمر الإسلام بالتراحم العامِّ، وجعله من دلائل الإيمان الكامل، وحذَّر من مغبَّة القسوة، قال: “لاَ يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لا يَرْحَمُ النَّاسَ“.

 

وقد تأخذ الرحمة الحقَّة طابع القسوة وليست كذلك؛ كالطبيب الذي يجري بالجسم جراحة فقد يمزِّق اللحم، ويضطر إلى تهشيم العظام، وما ذلك إلا رحمة بالمريض!!.